أن يمرّ خبر سرقة أموال الهيئة العليا للإغاثة، أي أموال الشعب وأموال المتضررين من حرب تموز وكلّ الحروب وتوزيعها للمقاتلين في طرابلس من أجل شراء السلاح وافتعال المعارك ولبعض النواب الذين عُرفوا بمعاداتهم للجيش اللبناني، ولقتلى شاركوا أحمد الأسير في قتل جنود لبنان، مرور الكرام يعني أنّنا في دولة منتهية الصلاحية وفاسدة بسياسييها ومسؤوليها وبكلّ القيّمين عليها، ويعيشها شعب تعوّد على سرقته دون أن يحرّك ساكناً او حتى يرفع صوته معترضاً على اغتصاب أمواله أمام عينيه.
ادّعى القضاء على الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة إبراهيم بشير وزوجته رجاء يونس قبل أربعة اشهر بجرم "اختلاس وتبييض الأموال". قبل ذلك بأيام، ضجّ الاعلام اللبناني بقضية بشير وتسابق على مقابلته وأخذ تصريحات منه شدّد فيها بشير على أنه لن يكون "كبش محرقة" وسيكشف الكثير من الأسرار الغامضة لمواجهة "الحرب" التي تُشَن عليه من قبل أمين عام مجلس الوزراء سهيل بوجي ورئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي حسب ما قال ابراهيم بشير نفسه.
اليوم وبعد أربعة أشهر من التحقيقات التي يجريها قاضي التحقيق الاول في بيروت غسان عويدات، كشفت صحيفة "الاخبار" في مقال للزميل محمد نزال أسرار ابراهيم بشير التي كان قد وعد بفضحها، فأفشى بشير بسرّ صرف أموال الهيئة العليا للإغاثة: "من جملة الخلافات مع ميقاتي هو ما كان يطلبه مني (كهيئة عليا للإغاثة) من مساعدات للنائب معين المرعبي، وكذلك لشخصين قُتلا من جماعة أحمد الأسير، وكثير من الطلبات لسياسيين آخرين"، كما كشف بشير عن دفع مبلغ 23 مليار ليرة تقريباً في الشهر لطرابلس بأمر من ميقاتي، إضافة لحديثه عن أن مجمل الاموال الموجودة حاليا في صندوق الهيئة تعود لتعويضات حرب تموز.
ما ذكره ابراهيم بشير في اعترافاته سمع به الشعب اللبناني وأكمل نهاره بشكل طبيعي، أما السياسيون فيبدو أنهم لم يطلعوا عليه أساساً، رغم معرفتنا الأكيدة بأنهم على معرفة بكل تلك الخفايا والاسرار، ولكن لا يمكننا أن نتوقع ردة فعل ممّن هم مشاركون في الفعل، وحتى وسائل الإعلام التي اهتمت بالخبر كانت قليلة.
لم نعد نبالي بسرقة أموالنا، وإلا لماذا لم يرفع الشعب الذي عانى من دمار اسرائيل في حرب تموز 2006 صوته عاليا بعدما أصبح ما كان يفكر به أمراً واقعاً وحقيقة مُعترف بها وهي أنّ أمواله التي يستحقها نُهبت؟
أموال الشعب تُصرف في غير مكانها، وتُسرق وتُستغل لاجل المعارك والقتل ولا أحد يحرك ساكناً. الشعب قد لا يكون بيده فعل الكثير ومسؤولوه غافلون عن حقوقه، ولذلك قد لا يبقى أمامنا سوى السؤال: ألا يحق لأهل طرابلس أن تُصرف المليارات على تحسين حياتهم ومدينتهم؟ ألا يحق لفقراء عكار أن يستفيدوا من الأموال المرسلة الى نائب؟
يحق لنا التساؤل والاستغراب، ويحق لنا الاستفسار عن شعب يُغتصَب والبسمة لا تفارق وجهه.