قد تكون تركيا هي أكثر المستفيدين من تنظيم "الدولة الإسلامية" على الصعيد الإقليمي. ساعدها دوره في تحقيق مجموعة من الأهداف خلال فترة قصيرة. واليوم سيكون بمثابة "الرافعة" التي ستبني عليها من جديد "أحلامها" القديمة في المنطقة.
خلال ساعات قليلة، من المقرر أن يناقش البرلمان التركي مشروع قرار قدمته الحكومة من أجل الحصول على تفويض يجيز لها المشاركة في العمليات العسكرية في سوريا والعراق، بالإضافة إلى السماح لقوات أجنبية باستخدام أراضيها للتدخل فيهما، بعد أن كان التفويض السابق ينص على ضربها مقاتلي حزب "العمال الكردستاني" في شمال العراق والدفاع عن نفسها في مواجهة أي تهديد من القوات السورية.
التفويض أمر روتيني
حصول الحكومة على هذا التفويض لا يعني قيامها الحتمي بعمليات عسكرية، فهي حصلت عليه خلال الأحداث الليبية لكنها لم تدخل الحرب ضد قوات الزعيم الراحل معمر القذافي. وفي هذا السياق، يوضح المحلل السياسي التركي محمد زاهد غول، في حديث لـ"النشرة"، أن هذا الأمر يطلب من البرلمان في كل عام وتجري حوله النقاشات الداخلية.
ويذكر غول بأنّ الخطر كان يتمثل بالسابق في "حزب العمال الكردستاني"، وفي السنوات الأخيرة كانت المخاوف من الأوضاع السورية الداخلية، وحصلت الحكومة على تفويض للقيام بعمليات عسكرية، إلا أنها لم تقم بأي أمر.
من جانبه، يشير الخبير بالشؤون التركية محمد نور الدين، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن أنقرة عارضت في البداية التحالف الدولي، لأنه يستهدف بشكل مباشر أدواتها الأخيرة للتأثير في التطورات بالمنطقة، أي تنظيمي "جبهة النصرة" و"الدولة الإسلامية"، لكنها عادت إلى الإمتثال لأنها لمست عدم قدرتها على الوقوف بوجهه.
ويرى نور الدين تدرجاً في المقاربة التركية للتهديدات، حيث يلفت إلى إنتقال الدعم من "الجيش الحر" إلى "النصرة" ومن ثم إلى "داعش"، ويعتبر أن التحالف الدولي كان بمثابة "المفاجأة" بالنسبة إليها، رغم غموض أهدافه، ويضيف: "نرى الإنتقال من الحرب بالوكالة إلى الحرب المباشرة".
منطقة آمنة وأكثر
على الرغم من أن غول يلمّح إلى أن طلب التفويض أمر سنوي روتيني، يظهر ما هو جديد هذه المرة، ويتمثل بموافقة تركيا على وجود قوات متعددة الجنسيات على أراضيها لا بل مشاركتها الفعلية فيها.
هذا الأمر يعني، بحسب ما يؤكد غول، وجود خطط مستقبلية، لكن لا يمكن الحديث عن الذهاب نحو إقامة مناطق عازلة، كما يروج، لأنها تتطلب صدور قرار عن مجلس الأمن الدولي. وهذا غير ممكن بسبب الصراعات الدولية القائمة، لكن تأمين مناطق آمنة في الداخل السوري حاجة بالنسبة إلى التحالف الدولي، لا سيما أن تركيا لم تعد قادرة ولا تريد إستقبال المزيد من اللاجئين، بل هي تريد إغلاق حدودها لأن أعداد السوريين والعراقيين باتت كبيرة جداً.
الحل الأمثل لهذه المعضلة، من وجهة النظر التركية، هو تأمين المناطق الآمنة لهم في سوريا والعراق، تحت إطار المؤسسات الدولية، أي أنها لن تتدخل بشكل منفرد من أجل تحقيق هذا الهدف، بل ستقدم الخدمات وستدفع بهذا الإتجاه.
بالإضافة إلى ما تقدم، يتحدث غول عن إمكانية إقامة حزام أمني، حول الأماكن التي يسيطر عليها "داعش"، بهدف وقف تقدمه، حيث يشير إلى وجود خطر حقيقي على عدد من المدن العراقية والسورية، وهذا يتوافق مع كلام المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي عن ضرورة التحلي بـ"الصبر الاستراتيجي".
بدوره، يؤكد نور الدين أن أنقرة تضع إقامة هذه المناطق ضمن أهدافها الأساسية، بهدف إضعاف القدرات العسكرية السورية، خصوصاً أنها تعارض أي تحالف دولي لا يستهدف النظام، وتسعى إلى تأمين حظر على الطيران بهذه المنطقة.
من جهة ثانية، هي تسعى إلى القضاء على أي إمكانية لقيام كيانية كردية في الشمال السوري، لا سيما بعد أن نجح الأكراد بالوقوف بوجه "داعش" في العراق، ويرى نور الدين أن الجانب التركي حاسمٌ في موضوع وجوب أن يكون له دور عسكري إلى جانب الدور السياسي القائم.
القوى التركية متفهمة لهذا الموقف
وفي الوقت الذي يتحدث فيه غول عن موافقة أغلب القوى الداخلية على هذا التفويض، نظراً إلى المخاطر الواردة في المذكرة التي تقدمت بها الحكومة، يوضح نور الدين أن جزءاً من المعارضة قد يوافق عليه أيضاً، مع العلم أن حزب "العدالة والتنمية" لا يحتاج ذلك كونه يملك الأغلبية.
ويشير إلى أن الحكومة ذكرت 4 تهديدات، الأول من حزب "العمال الكردستاني"، ما سيدفع الحركة القومية إلى الوقوف بجانبها، والثاني من "داعش" ما سيدفع حزب "الشعب" الجمهوري إلى تفهم الموضوع، بالإضافة إلى النظام السوري والتنظيمات الإرهابية الأخرى، ويعتبر أن الكتلة الكردية ستبقى على موقفها المعارض، لكنه يشير إلى أن المناخ العام سيكون داعماً أو متفهماً.
في المحصلة، لا ينفصل التفويض الجديد الذي ستحظى به الحكومة التركيّة، خلال الساعات القليلة المقبلة، عن السياسية الخارجية المستمرة منذ بداية أحداث "الربيع" العربي، لكن هذه المرة ستشارك القوات العسكرية في عمليات خارج الحدود على الأرجح.