منذ أكثر من 20 عاماً تجتمع لجنة الحوار بين بكركي و"حزب الله". تتسارع وتيرة اللقاءات وتخفّ تبعاً للظروف السياسية ولكنها في الفترة الأخيرة، باتت شهرية، أو كلما دعت الحاجة لمناقشة الأوضاع العامة. مرة يكون الاجتماع في بكركي، ومرة في مكتب عضو اللجنة الأمين العام للجنة الوطنية للحوار الاسلامي - المسيحي حارس شهاب، وتارة في الضاحية. أول من أمس، كان الاجتماع في الضاحية، شارك فيه من جانب بكركي النائب البطريركي العام المطران سمير مظلوم وشهاب، ومن جانب الحزب عضو المكتب السياسي محمود قماطي ومصطفى الحاج علي، وتلاه غداء الى مائدة وفد الحزب.
وفق المجتمعين، ثمة تطور في البحث والنقاش نتيجة خطورة الاوضاع التي نعيشها في الداخل والمحيطة بنا، علماً ان هذا الاجتماع مقرر من اللقاء السابق، الشهر الفائت، ولم يأتِ وليد تطورات جديدة. حتى لو وجدت تباينات في وجهات النظر في عدد من الأمور، فهذا امر طبيعي ودلالة على التنوع السياسي في لبنان، "وهذا لا يمنع أن نظهّر الأمور المشتركة بيننا، ومنها ضرورة الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية، وان الفراغ في الرئاسة لا يؤدي الا إلى تعطيل المؤسسات"، وفق شهاب.
عرض وفد بكركي وجهة نظره والاصرار على ضرورة الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية كما في الاجتماع السابق، وأعاد طرح لازمة التخوّف من المماطلة في انتخاب الرئيس، وخصوصاً ان بكركي غير معنية بزواريب السياسة بل تتعامل مع الثوابت. ويقول شهاب: "أخذنا الإيضاحات اللازمة من أعضاء الوفد عن ضرورة الاسراع في الانتخابات، وكان كلام الحزب ايجابياً في ما يتعلق بانتخاب الرئيس، وألا ينسحب الفراغ على كل المؤسسات". وتناول المجتمعون مواصفات الرئيس القوي الذي تريده بكركي، فالطائف عدّل صلاحيات الرئيس، ولكن نظراً الى التشرذم والانقسامات التي يعيشها اللبنانيون، كان تركيز على عناصر قوة الرئيس القادر على جمع كل اللبنانيين من حوله.
وطرحت أسئلة عن التغيير في الصيغة والنظام، وخصوصاً بعد كثرة الأخبار المتداولة في هذا الشأن، فكان تأكيد من وفد "حزب الله" أنهم ليسوا وراء هذا التداول الاعلامي وأن اي تغيير في الصيغة والنظام غير وارد بالنسبة الى الحزب.
واذا كانت الحوارات اليوم تأخذ حيزاً كبيراً من اهتمام الجميع، فهي كانت كذلك في جزء من اجتماع الضاحية أيضاً، وخصوصاً ان موضوع الرئاسة الذي بحث فيه الطرفان، هو في صلب هذه الحوارات كلها، اضافة الى تخفيف التشنج بين كل الاطراف. وكان انطباع لدى فريقي بكركي و"حزب الله" ان الحوارات الآن تتسم بجدية أكثر من قبل، وهذا لا يعني انها في السابق لم تكن جدية، بل جديتها الآن نابعة من خطورة التطورات في المنطقة والنار التي تحيط بنا، وأصبحت تطالنا مباشرة.
ولكن لماذا لا تتحاور بكركي مع أفرقاء آخرين ومكونات أخرى مسيحية واسلامية على الساحة اللبنانية؟ يجيب شهاب، الذي كان في عداد اللجنة منذ تشكيلها، بأنه عندما بدأت اللجنة المشتركة عملها في أوائل التسعينات، كان ذلك بناء على رغبة من الحزب في فتح حوار مع بكركي ليسمع صوت بكركي مباشرة وليس عبر الاعلام، فتجاوب البطريرك مار نصرالله بطرس صفير آنذاك. علماً ان الحاج محمود قماطي كان أول المشاركين في اللجنة، وأول من شارك في المؤتمر الذي عقد في مونترو بسويسرا، ثم في اللقلوق وفي أماكن أخرى، ويتابع الملف المسيحي الآن بعدما تسلمه حديثاً، فتتالت اللقاءات والمساحات المشتركة بين الفريقين. وتؤكد بكركي أنها تشجع كل الحوارات، وكل من يطلب الحوار والتلاقي معها هي جاهزة للقائه.
يشدد المعنيون بهذه اللجنة أن الاجتماعات ليست مجرد لقاءات بروتوكولية أو للصورة، بدليل أن لا دعوة الى الإعلام لتغطيتها والتقاط صورة للمجتمعين، كل ما يهمّ هو ايجاد مساحات مشتركة بين المتحاورين والمجتمعين وبين فئات واسعة من الشعب اللبناني. وثمة تساؤل دائم: ماذا حقق الحوار؟ يؤكد أحد أعضاء اللجنة المشتركة انه ليس ضرورياً التوقف عند ما حققه، بل المهم ألا يتوقف، اذاً أهمية الحوار باستمراره. والرؤية المشتركة بين بكركي و"حزب الله" أن يبقى طريق الحوار سالكاً، بغض النظر عن التباينات أو حتى نقاط التلاقي بينهما في الملفات المطروحة.