على رغم مشارفة المفاوضات بين الدول الخمس الكبرى زائد المانيا مع ايران حول ملفها النووي على استحقاق النجاح في ابرام اتفاق اطار بعد اشهر طويلة من استقطاب اهتمام العالم الغربي والدول الاقليمية بتطوراته، فان تطورات العملية العسكرية العربية من اجل محاولة انقاذ اليمن تستمر تستحوذ على اهتمام دول المنطقة وشعوبها.
لا تترك الانطباعات الايجابية والمريحة التي خلفتها مبادرة المملكة العربية السعودية الى قيادة مجموعة من الدول العربية والاقليمية من اجل مواجهة تقدم الحوثيين في اليمن وسعيهم الى السيطرة على مؤسسات الدولة فيها، مجالا للذهاب بعيدا في تداعيات قد تشمل دولا غير اليمن كليبيا، على سبيل المثال في الدرجة الاولى. فهناك تداعيات مهمة لعاصفة الحزم التي تقودها السعودية تجمع عليها غالبية المراقبين الديبلوماسيين وهي تمثلت في جملة امور، لعل أبرزها وأهمها هو توجيه رسالة الى ايران بأن الدول العربية لن تظل صامتة على التدخل الذي تمارسه في بعض الدول بحيث تساهم في تعزيز نفوذها في هذه الاخيرة، وان الدول العربية ذات الغالبية السنية ليست بالعجز الذي تعتقده في ضوء سياسات تقليدية بعدم التدخل او امتلاك سياسات عدائية او استفزازية. مع ذلك، يختلف المراقبون في شأن رسائل اخرى تتصل احداها بمدى ارتباط الولايات المتحدة التي اعلنت تقديم الدعم لعاصفة الحزم بالحملة العسكرية. اذ يرى البعض ان ظروف العملية ارغمت الولايات المتحدة على دعمها في حين كانت تفضل عدم حصول اي امر قد يؤثر في التفاوض الجاري في مراحله النهائية مع ايران حول ملفها النووي وتاليا اثبتت الدول العربية انها تستطيع التحرك بمعزل عن قيادة اميركا وعن رغبتها خصوصا في ظل ارادة الادارة الحالية برئاسة باراك اوباما على ترك منطقة الشرق الاوسط توازن نفسها بنفسها. والدرس الاساسي في هذا السياق يفيد أن الدول العربية تستطيع ان تأخذ الامور بايديها او بنفسها ولن تنتظر الحسابات الاميركية. في حين يرى بعض آخر، وبناء على معطيات مختلفة، ان الولايات المتحدة كانت على اطلاع منذ التخطيط للعملية العسكرية ويمكن اعتبارها متعاونة ومنسقة على هذا الصعيد. اذ ان واشنطن تعتبر مبادرة المملكة والدول العربية الى شن حملة عسكرية لمنع تقدم الحوثيين امراً جيداً نظراً الى ان التحرك المباشر في هذا الاطار من شأنه ان يطمئن المملكة القلقة من تداعيات للاتفاق النووي المرتقب مع ايران حول ملفها النووي في ظل خشيتها من ان يأتي هذا الاتفاق على حسابها ويطلق يد ايران في المنطقة انطلاقا من الاستفزاز الذي اعتمدته طهران في الاشهر الاخيرة بالمفاخرة انها باتت تسيطر على اربع عواصم لدول عربية هي العراق وسوريا ولبنان واليمن.
وينسحب تضارب الآراء على تقويم عامل آخر يتصل بواقع ان تأليف قوة عربية مشتركة يمكن ان يستعان بها في عملية برية سمح للبعض بالاعتقاد ان المسألة قد تبدأ باليمن من اجل ان تنتهي لاحقا في اي مكان آخر مشابه متى نجحت حال اليمن وتم انقاذه مما هو فيه. وهو امر يقول بعض المراقبين انه لم ينتف من خلفية العملية واهدافها اذ اضاف الى ارباك ايران واستيائها الذي عبّر عنه بافضل وجوهه وعلى صوت عال جدا خطاب الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله اثارة المخاوف لديها من ان يطلق نجاح عملية اليمن امرا غير متوقع على غرار عاصفة الحزم التي كانت مفاجئة لها الى حد بعيد. فهذا الاحتمال قد يكون من تداعيات ما تم البدء به والذي لا يجوز اهماله ولو ان القوة العربية المشتركة لا تزال مشروعا ولم يوضع قيد التنفيذ بعد . وهو امر يرى مراقبون آخرون انه قد يكون مبالغا به الى حد كبير في ضوء جملة اعتبارات قد يكون اهمها ان الحملة العسكرية من غير المرجح ان تنتهي قريبا. فالمملكة السعودية التي رفعت العصا من جهة وتلوح بالجزرة من جهة اخرى من خلال الدعوة الى الحوار تحت سقف الشرعية قد تضطر الى اللجوء الى خطوات متعددة سياسية وغير سياسية من اجل محاولة استيعاب الوضع اليمني لإدراكها ان العمليات العسكرية لن تحل وحدها ازمة اليمن، كما هي حال العمليات العسكرية الجوية التي يقودها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد ما يسمى تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وسوريا. وهذه الخطوات قد تشمل طرقا للتخلص من بقاء علي عبدالله صالح في اليمن او اعادة احياء البيت السياسي لآل الاحمر وربما اعادة الاعتبار ايضا للاخوان المسلمين هناك من بين احتمالات اخرى، نظراً الى الحاجة الى قوى تواجه تمرد الحوثيين وتمنع تفوق تنظيم القاعدة في اليمن وتوظيفه الفوضى لمصلحته بما يسمح بتغيير وضع اليمن (وهؤلاء يبنون على موقف نقل عن الوزير سعود الفيصل خلال الشهر الماضي وقوله انه لا توجد مشكلة بين السعودية وجماعة الاخوان باستثناء من يطلقون على انفسهم ان في رقبتهم بيعة للمرشد). وتاليا فان هذه الامور تستغرق وقتا طويلا بما لا يسمح بتحديد مواعيد فعلية او نهائية للانتهاء من مهمة من اجل الانطلاق في مهمة اخرى، فضلا عن ان التحالف الكبير والواسع قام على اساس واقع التهديدات الذي قام في اليمن للسعودية والخليج عموما والمدعوم ايرانيا. وليس من المرجح ان يجتمع كله من اجل اي بلد او دولة اخرى.