تمتاز الذكرى الـ67 لنكبة فلسطين هذا العام عن غيرها من السنوات السابقة بأنّها ترسّخ مقوّمات الدولة الفلسطينية على أكثر من صعيد، في وقت يعيش الكيان الصهيوني مزيداً من المآزق.
اليوم الذي كان محطة مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية في العام 1948، ومرّت سبحة من المعاناة والتشرّد، استطاع الفلسطيني، بفضل التضحيات التي قدّمها تحويل نقمة النكبة إلى إنجازات، بفضل مواكبة القضايا الاستراتيجية، وعلى الرغم من كل الظروف والانشغالات العربية بقضاياها الداخلية، ما زالت القضية الفلسطينية تشكّل قضية العرب المركزية الأولى.
ويُحيي الفلسطينيون الذكرى هذا العام، مؤكدين تمسّكهم بحق العودة إلى أرضهم وفقاً للقرار الدولي 194، الذي أثبت أنّ الفلسطيني مهما تشرّد في أصقاع المعمورة، أو حمل جنسيات، يبقى هاجسه العودة إلى وطنه. ويرسّخ الرئيس محمود عباس مقوّمات الدولة في المحافل الدولية، محقّقاً المزيد من المكتسبات.
وأمس اندلعت مواجهات بين متظاهرين فلسطينيين وقوات الاحتلال الاسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة أسفرت عن إصابة 21 شخصاً بجراح، حيث رشق متظاهرون فلسطينيون جنود الاحتلال أمام "سجن عوفر" بالقرب من رام الله بالضفة الغربية، فيما أطلق جنود الاحتلال الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع.
كما سجلت مواجهات بين جنود الاحتلال وفلسطينيون غاضبون خلال زيارة متشددين يهود لمقام قبر النبي يوسف، حيث أطلق جنود الاحتلال الرصاص الحي والمطاطي على المتظاهرين.
ويتزامن إحياء الذكرى مع حدث هام يتجاوز الاعترافات الطبيعية بالدولة الفلسطينية إلى ما يُعطي بُعداً محورياً، ذا صبغة دينية من أعلى مرجع ديني مسيحي في العالم، يتمثّل باعتراف الفاتيكان بالدولة الفلسطينية، وتأكيداً على بُعد هذا الاعتراف تم تحديد توقيعه تزامناً مع إحياء الذكرى الـ67 للنكبة.
وتتجلّى أبعاد هذه الخطوة من خلال ترسيم البابا فرانسيس للراهبة الفلسطينية مريم بواردي ومواطنتها ماري - ألفونسين غطاس، قديستين غداً بحضور الرئيس عباس، في إشارة إلى المكانة الدينية المسيحية للقضية الفلسطينية كما الإسلامية، حيث يحتفل المسلمون اليوم بذكرى الإسراء والمعراج للنبي محمّد (صلّى الله عليه وسلم)، إذ شكّل الأقصى منتهى الاسراء ومنطلق المعراج إلى السماوات العُلى.
فيما الكيان الصهيوني الذي كان في نشوة الانتصار في مثل هذا اليوم قبل 67 عاماً، يُعاني مزيداً من المآزق، وهو ما يُشير إلى انحدار نحو الهاوية، جرّاء التقوقع الذي يعيش فيه الكيان، ما يُشير إلى هشاشة الواقع الذي طغى على حكومة بنيامين نتنياهو الرابعة، لتكون الأكثر يمينية وتطرّفاً، لكن الأكثر ضعفاً واهتزازاً بين الحكومات الـ34 في تاريخ الكيان الصهيوني.
وليس أدلُّ على ذلك من الابتزاز الذي تعرّض له نتنياهو، وتمثّل باستنفاده كامل الوقت الطبيعي والممدّد من أجل إبلاغ الرئيس الإسرائيلي رؤفين ريفلين بتشكيل الحكومة، وبـ61 صوتاً من أصل أصوات الكنيست الـ120، كذلك استغرق أسبوعاً كاملاً لنيل تأييد الكنيست بذات الأصوات ومعارضة 59، ما يُشير إلى أن الحكومة عالقة "عَ شوار".
وهذا يُؤكّد أنّ نتنياهو سيجاري الأحزاب المتآلف معها: البيت اليهودي، شاس، يهوديت هتواره وكولانو، وسيكون أيضاً مضطراً لتذليل عواقب المنافسة التي واجهها بين نوّاب حزب "الليكود"، حيث تنافس 15 مرشّحاً على 10 حقائب وزارية.
والقرارات المتوقّعة للحكومة الإسرائيلية لجهة توسيع المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين، وسن القوانين بما يضمن قيام "دولة إسرائيل اليهودية" هي قضايا تعترض أي إمكانية لاستئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، وستصطدم بموقف أميركي مع قرب انتهاء ولاية باراك أوباما، وموقف أوروبي يسعى إلى تعزيز فرص السلام في المنطقة.
لذلك، فإنّ نتنياهو سيكون مقيّداً وأسير اتخاذ قرارات تتلاءم مع ائتلافه المتطرّف وسن قوانين تنحو نحو يهودية الدولة، ولن يكون باستطاعته إثارة غضب أي نائب، بل سيكون تحت رحمة أي نائب في الائتلاف.
ولكن استطاع نتنياهو أنْ يدفع الكنيست للمصادقة على تعديل القانون الأساسي للحكومة بما يسمح له بزيادة عدد الوزراء المعتمد حالياً (18 وزيراً) ونوّاب الوزراء بعد ذلك إلى 4، وهو ما يمكن أنْ يرضي نوّاباً من "الليكود" أو أحزاب أخرى.
في ظل ذلك، فإنّ هذه الحكومة مثقلة بالمهام، وهو ما لا يقتنع به نتنياهو، فهل يُقدِم على تنفيذ تهديداته ومغامراته تجاه لبنان وغزّة مجدّداً؟؟، فضلاً عن مواصلة سياسة الاستيطان وتهويد القدس للخروج من المقصلة الملتفة حول عنقه؟ والتوجّه مجدّداً لانتخابات عامة يعتقد بأنّه سيضمن الأكثرية إذا ما عزّز الغريزة اليهودية المتطرّفة، وإلا فإنّ المتربصين به من المعارضة وفي مقدّمهم "المعسكر الصهيوني" يتسحاق هرتسوغ الذي فاز بـ24 مقعداً سيكون بالمرصاد.