لحسن الحظ، وصل ملف الموقوف الفلسطيني علاء المغربي إلى المحكمة العسكرية الدائمة قبيل انطلاق جلسات المرافعة في قضية أحداث عبرا في 30 تموز الجاري. في الشكل، بدا من خارج السياق استجواب أحد عناصر الشيخ الفار أحمد الأسير عن المرحلة التي أعقبت معركة عبرا، فيما المحاكمة تتركز على ما فعله الموقوفون يومي 23 و24 حزيران 2013. لكن قناعة رئيس المحكمة العميد خليل إبراهيم بأن القضية لا تتجزّأ، صبّت في مصلحة الرأي العام لتكشف أن الأسير كان طوال الأشهر الماضية «يكزدر» بحرية بين عين الحلوة وصيدا، وأنشأ سرايا صغيرة للانتقام من سرايا المقاومة والجيش.
عناصر ملثمون من القوة الضاربة رافقوا المغربي الملقب بـ»حاتم»، النجم الجديد لجلسات عبرا، الى باحة المحكمة العسكرية. كشف المغربي هوية مطلق النار على النقيب الشهيد سامر طانيوس، الضابط المسؤول عن حاجز الجيش قبالة مسجد بلال بن رباح، ما أطلق شرارة المعركة. أوضح أن قاتل طانيوس هو أمجد (شقيق الأسير) الذي توجه معه ومع كل من الفارين الشيخ أحمد الحريري وفادي البيروتي ومحمد النقوزي وأبو علي ياسين الى الحاجز لأمر عناصره بإزالته. المغربي قال في مثوله الأول أمام المحكمة بعد شهر على توقيفه من قبل استخبارات الجيش في منزله في مجدليون، إن شاهين سليمان (ورد ذكره في اعترافات خالد حبلص ويتردد بأنه حالياً في القلمون) زاره في منزله قبل حوالى سنة، عارضاً عليه الانضمام إلى خلايا الأسير التي يعيد تجميعها من عناصره السابقين. سليمان الذي يعرف بأنه «منسق بقايا خلايا الأسير ومديرها ومحركها»، تواصل، بالتزامن، مع أسيريين آخرين؛ منهم محمد السبع أعين وطارق سرحان.
قال المغربي: «كان عم يبرم عالشباب»، وزوّدهم بشرائح هواتف أمنية وأجهزة خلوية لا تتعقبها أجهزة التنصت، للتواصل بين بعضهم البعض. قبل انتهاء معارك طرابلس، عرض عليه سليمان الانتقال للعيش في الشمال لأنها «أكثر أماناً وستعلن إمارة»، لكنه رفض.
في شقته التي تقع في الطبقة الأرضية تحت منزل ذويه في مجدليون، استضاف المغربي سليمان و(المخلى سبيله) سرحان و(الموقوف) عبدالله العجمي وأسيريين آخرين في اجتماعات تنسيقية بحثت في التدريب على السلاح وجمعه في أماكن مختلفة من صيدا؛ منها شقة تقع في القياعة. سليمان كلفهم برصد تحركات شخصين، الأول يدعى «أبو علي» ويعمل سائق سيارة أجرة، والثاني محمد المصري، مسؤول سرايا المقاومة في التعمير، بهدف اغتيالهما. (المطلوب) معتصم قدورة، طلب من المغربي تأجير شقته الأرضية لنسوة منقبات وأطفال (أزواجهن من دون عمل). بعد انتهاء معارك طرابلس الأخيرة، قاد قدورة المطلوب أيمن مستو من طرابلس إلى صيدا وطلب من المغربي أن يدخله إلى عين الحلوة من طريق غير شرعية لا تخضع للمراقبة. وهذا ما فعله. الفلسطيني أوضح أن صديقه محمد الشيشاني دلّه على الطريق التي تقع لناحية منطقة الحسبة باتجاه بستان داخل المخيم تقود إلى حي الطوارئ وحطين. ذات يوم، قامت امرأة منقبة (زوجة وسام شريتح) بإيصال المطلوب أمجد الأسير إلى منزله، قبل أن يدخله إلى المخيم. قدورة رافق لاحقاً، من طرابلس، محمد النقوزي والبيروتي وأحمد الأسير ونجله محمد إلى صيدا. اتصل به وقال له إن «الشيخ معنا وننتظرك بجوار مدرسة عائشة أم المؤمنين لتوصلهم إلى المخيم». في سيارة قدورة من نوع هوندا، كان الأخير يجلس في مقعد السائق إلى جانبه زوجته (المخلى سبيلها) أمل شبو. في الخلف، كان يجلس الأسير، حليق الذقن. يضع قبعة على رأسه وأسدل تحتها شعره الطويل ويرتدي بنطالاً وسترة. مستو كان في انتظارهم عند آخر الطريق لناحية المخيم. المغربي حنى ظهره ليصعد الأسير فوقه ويقفز عن السور باتجاه البستان. منذ ذلك الحين، تحول إلى «نقليات» المغربي. بإشارة من قدورة، تولى نقل الأسير، الذي تبدلت جزئياً معالم وجهه، مرات عدة من عين الحلوة إلى صيدا وبالعكس. خلال تلك الفترة، كان قد أعطى نسخة عن مفتاح بيته إلى قدورة الذي أعطى نسخة أخرى إلى سليمان. في البيت، كانت تتم اجتماعات تنسيقية يحضرها الأسير وكوادر خلاياه الجديدة.
اعترافات الموقوف خالد حبلص كشفت المستور في صيدا. قادت على نحو متتال إلى توقيف العجمي وشبو ومحمد عجيل وحسن الدغيلي والسوري ياسر الأسعد والمغربي... ومداهمة شقق في شرحبيل كانت تستخدم لتخبئة السلاح. اعترافاتهم تثير أسئلة عدة عن مدى جدية الأجهزة الأمنية في تعقب بقايا خلايا الأسير الذي يبدو أنه «يسرح ويمرح بين المخيم وصيدا»!
الى ذلك، أصدر رئيس المحكمة العميد خليل إبراهيم قراره بشأن المطالب التي قدمها عدد من وكلاء الدفاع عن موقوفي عبرا، منها الأخذ في الاعتبار تقارير ومقالات وتسجيلات تظهر برأيهم تورط سرايا المقاومة في معركة عبرا، فضلاً عن الطلب من هيئة المحكمة تزويدهم بتقارير تظهر كيفية إصابة الجنود الشهداء والجرحى، وأخرى تثبت تعرض الموقوفين للتعذيب. وافق إبراهيم على بعضها وردّ البعض الآخر. كما حدد الخميس في 30 تموز الجاري أولى جلسات الاستماع لمرافعة وكلاء الدفاع عن الفئة الأولى من الموقوفين. وما تبقى منهم تحدد الجلسات الخاصة بهم تباعاً في مهلة لا تتعدى الشهرين.