بالتزامن مع بدء العمليات العسكرية الروسية في الأراضي السورية، بدأ الحديث عن مساع، تقوم بها موسكو، لرعاية تحالف بين الجيش السوري وقوات حماية الشعب الكردي، من دون أن يتم تأكيد أو نفي هذا الأمر بشكل رسمي من الجانبين، مع العلم أن هذه القوات هي جزء أساسي من التحالف الدولي والعربي، الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، لمكافحة الإرهاب.
بالنسبة إلى الأكراد، هناك موقف واضح يتعلق بدعم جهود أي فريق يريد محاربة الإرهاب، لكن لا يمكن الحديث عن تحالف أو تنسيق مع مؤسسات الدولة السورية، في المرحلة الراهنة، من دون الإنغلاق على كافة الإحتمالات في المستقبل، خصوصاً أن هناك واقعية ينبغي التعامل من خلالها مع التطورات.
النظام غير شرعي
لدى البحث في هذا الموضوع الشائك على مستوى الأزمة السورية، يسأل مدير المركز الكردي للدراسات نواف خليل، عبر "النشرة"، عن الأسباب التي تدفع الأكراد إلى التخلي عن التحالف العربي الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، خصوصاً أنه قدم المساعدة لهم، عندما كانت كوباني تواجه هجوماً واسعاً من قبل تنظيم "داعش" الإرهابي قبل أشهر قليلة، في حين لم تقم الحكومة السورية بأي أمر.
ولا يختلف مسؤول العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية ابراهيم كردو مع خليل، وهو الذي يمثل إدارة خاضت مواجهات عنيفة مع الإرهاب على مدى أشهر طويلة، وشكلت واجهة الأحداث على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، حيث يقول لـ"النشرة" أنّ "النظام السوري من وجهة نظرنا غير شرعي، وقاتل لشعبه لا يمكن أن يكون هناك أي تحالف معه".
ويتفّق مستشار الرئاسة في حزب "الإتحاد الديمقراطي" سيهانوك ديبو مع كردو لجهة عدم التنسيق مع القوات السورية، لكنه يشير إلى أن الأزمة باتت تعيش واقع التدويل، وبالتالي على الأغلب سيكون هناك تحالف دولي متقدم، في المرحلة المقبلة، أساسه محاربة الإرهاب، وعندها يصبح الفرز على المستوى السوري مختلفاً، لكنه يرفض وجود أي تنسيق مع الحكومة السورية بصورة منفردة، ومن دون الإتفاق على التوجهات المستقبلية، ويضيف: "نحن جزء من قوى المعارضة، وبالتالي لن يكون هناك أي إتفاق أو جلوس مع ممثلين من النظام بصورة منفردة".
سوريا والمستقبل
بالنسبة إلى قوات التحالف العربي الدولي، يشكل الأكراد، بحسب ما يؤكد خليل، القوة البرية التي أثبتت قدراتها على مواجهات المنظمات الإرهابية، حيث هناك غرفة عمليات مشتركة بين الجانبين، ويرى أن ليس من السهولة التخلي عن هذا التحالف في الوقت الراهن.
وفي حين يشدد مدير المركز الكردي للدراسات على أن الأكراد لن يكونوا جنوداً لدى أي جهة إقليمية أو دولية، يسأل: "لماذا نعود إلى التحالف مع النظام السوري؟ ماذا قدم لنا طوال السنوات السابقة؟ ما هو الثمن الذي من الممكن أن يدفعه مقابل ذلك؟"، إلا أنه يؤكد أن كل الجهود التي تبذل في سبيل محاربة الإرهاب مرحب بها.
بدوره، يعتبر كردو أن روسيا لها أجندتها الخاصة في سوريا، حيث تسعى إلى إعادة السلطة إلى النظام برئاسة بشار الأسد، من خلال مساعدته في الحفاظ على المناطق التي يسيطر عليها، أما في ما يتعلق بمحاربة الإرهاب، فيؤكد أن الإدارة الذاتية هي مع أي قوة تريد الدخول في هذه المواجهة، لا سيما أنها كانت أكثر من عانى منه، لكنه يشدد على أن التعاون مع موسكو يجب أن يكون ضمن التحالف العربي الدولي، الذي تشارك فيه القوات الكردية، ويضيف: "الجيش السوري يتحرك بأمرة النظام الفاقد للشرعيّة في دمشق، وطالما الأمور على هذا النحو لا يمكن أن يكون هناك من تنسيق معه".
ويتفّق ديبو مع كردو لجهة عدم حصول أي تنسيق، على أرض الواقع، مع الجانب الروسي، لكنه يعتبر أن تدخل موسكو قد يكون له إيجابيات كثيرة مكمّلة للتحالف العربي الدولي، ويرى أن من المفترض أن يكون هناك مراعاة للمعادلة التي تقوم على الحل السياسي ومحاربة الإرهاب.
بالنسبة إلى مستقبل الأوضاع على الساحة السورية، يربط ديبو بين الفترة الزمنية، التي حددتها السلطات الروسية لعملياتها العسكرية، وموعد إنتهاء أعمال مجموعات عمل المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا، ويلفت إلى أن المواعيد متزامنة مع بعضهما البعض، في ظل تنسيق أميركي روسي على مستوى العمليات العسكرية، وبالتالي من الممكن أن يصبح بعدها الدفع نحو عقد مؤتمر جنيف الثالث أمراً واقعاً.
في المحصلة، لا تحالف ولا تنسيق بين القوات الكردية والحكومة السورية، على الأقل في الوقت الراهن، ومع أن هذا الباب لم يُغلَق بشكلٍ كاملٍ، تبدو شروطه صعبة التحقيق، فهي تتطلب إتفاقاً على المستوى الدولي، بين الولايات المتحدة وروسيا، وآخر على المستوى السوري حول التوجهات المستقبلية.