فلسطين تقلب كل التوقعات وتحدث المفاجآت والصدمات للمحتلين الصهاينة وتحول دون تمكنهم من التنعم بالهدوء والاستقرار، وتحبط الرهانات على تمرير صفقة القرن وفرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة.. هذه الخلاصة التي يمكن أن يصل إليها أي متابع لمجريات الأحداث في فلسطين المحتلة وقطاع غزة المحاصر منذ عام 2005..
فالمقاومة والانتفاضة، رغم تقطعها، مستمرة في الأراضي المحتلة عامي 1948 و1967 وهي تأخذ أشكالا متعددة، طعن الجنود والمستوطنين حينا، وعبوات ناسفة وإطلاق نار على دوريات وجنود الاحتلال حينا أخر، ومواجهات وتظاهرات شعبية في حيفا وعموم مناطق الجليل دفاعا عن عروبة فلسطين وتصدي لاقتحامات المستوطنين المدعومين من جنود الاحتلال للاماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة أحيانا أخرى..
أما في قطاع غزة المحاصر فإن الشعب العربي الفلسطيني أحيا الانتفاضة الشعبية ضد الاحتلال بطرق جديدة مبتدعا وسائل نضالية وكفاحية لم يعرفها العدو في السابق، محولا الحصار الذي أراده المحتل وسيلة لإخضاع وتطويع المقاومة وفرض الاستسلام عليها للشروط والإملاءات الصهيونية، مقابل رفع الحصار، محولا الحصار إلى جحيم يلاحق الجنود والمستوطنين في محيط قطاع غزة مما أفقدهم الإحساس بالأمن والاستقرار في احتلالهم..
هذه الانتفاضة التي ابتدعت البالونات الحارقة واقتحام حواجز السياج الفاصل بين قطاع غزة والأرض الفلسطينية المحتلة عام 48 أثبتت أن شعب فلسطين عصي على الإخضاع والتطويع وانه يصنع من المعاناة انتفاضة متجددة تؤرق قادة العدو وتدخلهم في مأزق احتلالهم لفلسطين وحصارهم النازي للقطاع..
هذه الانتفاضة والمقاومة المتجددة التي أربكت قادة العدو وجعلتهم في حيرة من أمرهم عاجزين في مواجهتها بعد الفشل في إخماد جذوتها.. باتت مسنودة ومدعومة من مقاومة مسلحة تملك الجاهزة والاستعداد للتصدي لأي عدوان صهيوني على القطاع يستهدف التخلص من مأزقه.. وبدا هذا المأزق مؤخرا في الصراع الذي احتدم داخل الحكومة الصهيونية بين تيارين:
تيار يؤيد عملية عسكرية لوضع حد لتظاهرات العودة التي تحولت إلى انتفاضة مستمرة كشفت الطبيعة النازية للاحتلال وحصاره أمام الرأي العام العالمي..
وتيار أخر يحذر من أن الذهاب إلى عملية عسكرية لن تحقق النتائج المرجوة منها لان جيش الاحتلال سيواجه نفس المأزق الذي واجهه في العمليات العسكرية في أعوام 2008،2009، و2012 و2014 حيث لم ينجح في كسر إرادة المقاومة التي نجحت في فرض نوع من توازن الرعب والردع معه من خلال قصف العمق الصهيوني وصولا إلى تل أبيب، في حين واجه جنود العدو مقاومة شرسة في أحياء قطاع غزة التي حاولوا اجتياحها دون جدوى فيما نجح المقاومون في التسلل إلى خلف خطوط العدو وتنفيذ عمليات جريئة وقتل العديد من الجنود..
واليوم بعد نجاح المقاومة في تطوير قدراتها الصاروخية أصبح أي اعتداء صهيوني أكثر تعقيدا بالنسبة لقادة العدو في ظل عدم القدرة على منع تساقط صواريخ المقاومة على العمق الصهيوني من ناحية، والقتال الشرس الذي سيواجه جنود العدو في القطاع والخسائر الكبيرة التي سيتعرضون لها بفعل ذلك من ناحية ثانية..
في ظل هذه الخيارات يصبح قادة العدو أمام العودة إلى احتلال قطاع غزة الذين أجبروا على الرحيل عنه عام 2005 تحت ضغط المقاومة والانتفاضة التي استنزفت الاحتلال على كل الصعد.. على أن هذه المرة اجتياح القطاع سيكون له ثمن كبير لا يبدو أن كيان العدو قادر على تحمله عدا عن احتمالات أن تطول الحرب، على غرار ما حصل لعدوان 2006 في لبنان، من دون أن يتمكن جيش الاحتلال من حسم المعركة وبالتالي احتمال تورطه في حرب استنزاف قاسية في ظل تصاعد التنديد الدولي وارتفاع منسوب التضامن مع الشعب العربي الفلسطيني ومقاومته..
هكذا فإن شعب فلسطين ومقاومته وانتفاضته يثبتون أنهم أقوى من جبروت الاحتلال وأنهم قادرون على إحباط مخططاته ومنعه من الاستقرار في احتلاله على حساب الحقوق العربية الفلسطينية في فلسطين المحتلة..