في ظل الاختلاف السياسي الشكلي بين «العودة الآمنة» و»العودة الطوعية» للنازحين السوريين الى بلادهم، وبعد أيام قليلة من ولادة الحكومة، سلك لبنان، عبر وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب، طريق «العودة الرسمية» لبيروت الى دمشق من بوابة أحد أكثر الملفات دقّة وخطورة على الداخل اللبناني.
لم تمنح الحكومة مجتمعة، كما يُفترض عند سفر أي وزير، الإذن للغريب لاجتياز نقطة المصنع الحدودية اللبنانية ـ السورية. الزيارة أصلاً سبقت إجتماع مجلس الوزراء المقرّر غداً الخميس، لكنها في توقيتها وجدول أعمالها كانت، بتأكيد مصادر مطلعة، محط تنسيق بين الوزير المعني ورئيسيّ الجمهورية والحكومة، بدليل أنّ لا بيان رسمياً صدر عن السراي الحكومي بنفي «العِلم والخبر»، لا بل أكثر من ذلك بدت زيارة الغريب للحريري بمثابة الغطاء الحكومي لتحرّك وزير النازحين في موازاة الغطاء الرئاسي!
المصادر نفسها تؤكّد في هذا السياق، «حتى في الحكومة السابقة، التي كانت لا تزال تحتضن عناصر خلافية أكبر بكثير من الحكومة الحالية في شأن ملف النازحين، كل زيارات وزراء الثامن من آذار كانت تحصل بعلم مسبق من الحريري بغض النظر عن عدم رضاه عليها، فكيف اليوم في ظل سلّة تفاهمات سياسية سبقت ولادة الحكومة وقضية النازحين إحداها».
ووفق المصادر عينها، لن يكون مستبعداً رؤية مسؤولين سوريين في لبنان للتداول في الملف مع مفاتيح الحلّ والربط، خصوصاً أنّ عدداً كبيراً من القيادات السورية لم ينقطع أصلاً عن زيارة لبنان طوال السنوات الماضية، ولكن بعيداً من الاعلام وتحت عنوان الزيارات الشخصية وليس الرسمية أو السياسية، وبعض هذه القيادات تسنّى لها الجلوس على طاولة الطعام مع مسؤولين لبنانيين، بعضهم لا يزال «ينظّر» ضد عودة النازحين إلاّ ضمن شروط قاسية!
وعلى عكس كل ما أشيع عن المناخ الإعتراضي الحكومي الذي واكب زيارة الغريب الى دمشق، فإنّ اللقاء بين الأخير والحريري في السراي الحكومي أمس، إتسم بالهدوء، حيث وضع الغريب رئيس الحكومة في أجواء لقاءاته السورية ومدى جهوزية دمشق لاستقبال أعداد أكبر من النازحين، في مقابل إصرار واضح لدى الحريري، غير المقتنع أصلاً بأنّ التفاوض المباشر مع سوريا قد يساهم في تسريع العودة بالشروط المطلوبة، على إبقاء الملف بعيداً من التجاذبات السياسية وحصره في بعده العملاني و»السيادي».
وكشفت مشاورات الغرف المغلقة قبل ولادة الحكومة، خصوصاً بين رئيس الجمهورية ميشال عون والحريري والوزير جبران باسيل وصولاً الى «حزب الله» ورئيس مجلس النواب نبيه بري، انّ هذه القوى بما فيها «القوات اللبنانية»، متفقة كلياً على مبدأ العودة، لكن كل فريق يغلّف مطلبه بهواجس سياسية مصلحية لا تمسّ الجوهر.
يأتي ذلك، في ظل تشدّد دولي مثير للشبهات، لا يزال يتعاطى مع النازحين كورقة ضغط يجيّرها لمصلحته الخاصة عبر تثبيت النازحين في أماكن وجودهم وتعزيز هذا الواقع بمزيد من المساعدات المالية، في مقابل إنفصام حكومي حول أسلوب المواجهة خفّت حدّته مقارنة مع بداية الأزمة السورية، و»شلّة» من المنتفعين داخلياً شكّل النزوح السوري بالنسبة اليها باب انتفاع لا يبدأ بقسائم المأكولات ولا ينتهي بالجمعيات!
وبالتأكيد، لم تكن مجرد تفصيل هامشي مشاركة الحريري شخصياً قبل ساعات من ولادة الحكومة في 2 شباط الجاري في إطلاق «خطة لبنان للاستجابة لأزمة النازحين السوريين للعام 2019» وإصراره على أنّ النازحين سيعودون عاجلاً أم آجلاً، في مقابل تشديده على أنّه «لن يُجبر أحد أياً كان على العودة»، وتحميله «الاسرة الدولية مسؤولية أكبر تجاه اللاجئين».
ويرى مطلعون، أنّ الخطر الفعلي الذي ستواجهه الحكومة، والذي عكس المؤتمر الذي انعقد في السراي الحكومي جزءاً منه على خلفية تزايد مطالب وحاجات النازحين، ليس الخلاف السياسي على المدى الذي يمكن الذهاب اليه للتنسيق مع سوريا حول العودة، وإنما جنوح المجتمع الدولي أكثر فأكثر في توظيف ورقة النازحين في النزاع الذي لا يزال قائماً حول مستقبل سوريا، وذلك من خلال تقديم مزيد من الحوافز للنازحين على البقاء في أماكن انتشارهم بعيداً من رقابة الدولة وقرارها. وقد شكّلت كلمة منسق الشؤون الانسانية في المؤتمر فيليب لازاريني مؤشراً واضحاً الى ذلك، من خلال حديثه عن ضرورة توفير تمويل بقيمة 2.62 ملياري دولار «لتأمين المساعدات الانسانية الضرورية والاستثمار في البنى التحتية للبنان في ظل تفاقم الضعف لدى المجتمع المضيف واللاجئين».