نجح المؤتمر الدولي لعودة اللاجئين السوريين، والذي انعقد في دمشق على مدى الأيام الثلاثة الماضية، في شقّ وتعبيد طريق العودة الآمنة وتوفير مستلزماتها من أمن، وسكن، وغذاء، وطبابة، وتعليم… وفضح نفاق الغرب ومتاجرته باللاجئين، وبالتالي كسر الفيتو الأميركي الغربي التركي الموضوع لمنع هذه العودة، بهدف إدامة أزمة ومعاناة اللاجئين، واستغلالهم وتوظيفهم في إطار أجندات واشنطن وأنقرة والعواصم الأوروبية إلخ…
تجلى نجاح المؤتمر في مستويات عدة، تجسّدت في الحضور الدولي، والنتائج التي حققها، والرسائل التي وجّهها في اتجاهات عدة…
أولاً، على مستوى الحضور ومكان انعقاد المؤتمر:
1 ـ يشكل عقد المؤتمر في العاصمة السورية دمشق حدثاً هاماً ومفصلياً في مسار الحرب الوطنية التي تخوضها الدولة الوطنية السورية في مجابهة جيوش الإرهاب، فالمؤتمر يأتي تتويجاً لانتصارات الجيش العربي السوري بدعم من حلفائه في محور المقاومة وروسيا الاتحادية، انتصارات أدّت إلى استعادة الدولة السورية سيطرتها على مساحات ومناطق شاسعة من سورية كان قد سيطر عليها الإرهابيون في السنوات الأولى من الحرب، ونجاحها في تحقيق الأمن والاستقرار على أكثر من 80 بالمئة من الأرض السورية، وبالتالي إسقاط الهدف الأميركي الصهيوني الغربي التركي العربي الرجعي الذي سعي إلى تدمير وإسقاط الدولة الوطنية المقاومة برئاسة الرئيس بشار الأسد.. فلولا هذه الانتصارات لما كان للمؤتمر أن يُعقد في دمشق.
2 ـ يعتبر الحضور الدولي والاقليمي والعربي اعترافاً بانتصار سورية، قيادة وجيشاً وشعباً، وتأكيداً على حجم الأمن والاستقرار الذي تحقق بعد أكثر من عشر سنوات على شنّ الحرب الإرهابية الكونية على سورية بغطاء ما سُمّي الربيع العربي المزيّف الذي استغلته واشنطن وركبت موجته منذ البداية لإسقاط الأنظمة الوطنية، وإعادة تشكيل أخرى تابعة لأميركا، استهلكت وباتت بحاجة إلى تجديد، بغرض تعويم مشروع الهيمنة الأميركية الاستعمارية.. فعلى الرغم من المقاطعة الأميركية الغربية والضغط الأميركي للحيلولة دون مشاركة العديد من دول العالم، إلا أنه حضر المؤتمر 27 دولة بالإضافة إلى مراقبين من الأمم المتحدة، والعديد من المنظمات الدولية… وكان لافتاً مشاركة دول عربية مثل، الإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عُمان، بالإضافة إلى لبنان والعراق، في حين لم تشارك، مصر والأردن وذلك خضوعاً للضغط الأميركي.. على أنّ مشاركة الأمم المتحدة بصفة مراقب، و١٢ منظمة دولية مختلفة معنية بالإغاثة ودعم اللاجئين وتقديم المساعدات الانسانية، شكل نجاحاً روسيا في إعطاء المؤتمر البعد الدولي وكسر الحصار الأميركي المفروض على سورية، الى جانب، طبعاً، المشاركة الكبيرة لروسيا، دولة ومؤسسات، وكذلك المشاركة الإيرانية والصينية على أكثر من مستوى، تعبيراً عن دعم جهود الدولة السورية لعودة أبنائها الذين هجّرتهم الحرب الإرهابية…
كما دعموا سورية في حربها الوطنية في مجابهة هذه الحرب الوحشية…
ثانياً، على مستوى النتائج العملية.. دشن المؤتمر مسار العودة للاجئين على أكثر من صعيد…
1 ـ توفير التشريعات والقوانين التي أصدرتها الدولة السورية، إلى جانب كلّ المستلزمات الاجتماعية والصحية، لتشجيع اللاجئين على العودة وعدم البقاء خارج بلدهم في ظلّ ظروف صعبة يخضعون فيها لأبشع أنواع الاستغلال.
2 ـ دعم مادي وإنساني لمساعدة الدولة السورية على إعادة تأهيل البنى التحتية المطلوبة على المستويات الاقتصادية والخدماتية المختلفة والإنسانية وإعمار البلدات التي هجّر منها سكانها… وكان الأبرز في هذا الدعم، المساهمة الروسية بمليار دولار إلى جانب المساعدات الإنسانية الكبيرة التي قدّمت في المؤتمر وعلى هامشه لإعطاء دفع قوي لعودة اللاجئين وتأكيد عزم ودعم روسيا القوي لسورية في جهودها الوطنية لإنهاء معاناة اللاجئين…
ثالثاً، على مستوى الرسائل…
الرسالة الأولى، التأكيد بأنه ليس هناك من أسباب تمنع أو تحول دون عودة اللاجئين إلى بلدهم، فكلّ متطلبات وشروط ومستلزمات العودة باتت متوافرة، وإذا ما منعت بعض الدول عودة اللاجئين أو لم تتعاون مع الدولة السورية في ذلك، فإنّ ذلك مردّه…
إما بسبب موقف سياسي يريد الاستمرار في استغلال معاناة اللاجئين للحصول على المال، وابتزاز الدولة السورية في تنازلات سياسية مقابل تسهيل عودتهم.. وهو ما تقوم به الحكومة التركية…
*أو بسبب خضوع بعض الدول للإملاءات الأميركية التي تقف وراء عرقلة عودة اللاجئين.. كما هو حال الأردن الذي كان يعتزم حضور المؤتمر لكنه امتنع في اللحظة الأخيرة نتيجة الضغط الأميركي.
الرسالة الثانية، انّ الدولة السورية وبدعم من حلفائها، تعتبر عودة اللاجئين وإنهاء معاناتهم أولوية وطنية كألوية استكمال الحرب الوطنية ضدّ القوى الإرهابية المتبقية في شمال سورية لا سيما في بعض مناطق محافظة إدلب.
الرسالة الثالثة، انّ وجود اللاجئين خارج وطنهم كان بفعل الحرب الإرهابية التي هجرتهم من مدنهم وبلداتهم وقراهم، وانّ الدولة السورية من خلال المؤتمر توصل رسالة قوية إلى كلّ دول العالم، تقول، بأنه من غير الطبيعي بقاء اللاجئين مهاجرين خارج وطنهم، وأنها حريصة على عودتهم بأسرع ما يمكن لا سيما أنّ الظروف التي فرضت تهجريهم قد زالت وبالتالي على دول العالم التعاون مع سورية لتأمين عودتهم وتقديم الدعم اللازم لذلك على كلّ المستويات…
الرسالة الرابعة، انّ المؤتمر كشف نفاق الغرب الذي يعمل على استغلال معاناة اللاجئين التي تسبّبت بها حربه الإرهابية، وأسقط الاستثمار غير الأخلاقي من قبل الغرب الذي يتاجر بهذا الملف الإنساني ويعمل على ربط عودة اللاجئين بالحلّ السياسي.. ويزعم انّ العودة لا تزال غير آمنة.. وبالتالي كشف الدور التركي الأميركي الذي يصرّ على الاستمرار في استخدام ورقة اللاجئين في اتجاهات عدة…
الاتجاه الأول، المتاجرة بقضية اللاجئين عبر تقديم المساعدات لهم، للظهور بمظهر إنساني والتغطية على الأهداف التي تسعى إليها كلّ من أنقرة وواشنطن من وراء عرقلة عودة اللاجئين.
الاتجاه الثاني، المتاجرة المادية، التي تقوم بها الحكومة التركية علناً من خلال تهديد الاتحاد الأوروبي بفتح الحدود التركية أمام هجرة اللاجئين إلى أوروبا اذا لم تقدم الأموال لتركيا تحت عنوان مساعدتها في تحمّل أعباء اللاجئين.
الاتجاه الثالث، استغلال الجيل الجديد من اللاجئين الذين نشأوا في رعاية وأحضان الجماعات الإرهابية والاستخبارات التركية، الأميركية، والعمل على تعبئتهم ضدّ دولتهم الوطنية السورية والرئيس بشار الأسد والقول لهم إنه هو سبب هجرتهم من بلدهم، وبالتالي تنظيم الشباب منهم في صفوف الجماعات الإرهابية لتغذيتها بالمزيد من المقاتلين واستخدامهم لإدامة الحرب الإرهابية ضدّ سورية، وفي خدمة الحروب التركية في ليبيا وكاراباخ… وهو ما أكدته التقارير الأمنية والصحافية مؤخراً.
الرسالة الخامسة، ممارسة الضغط على الدولة السورية لإجبارها على تقديم التنازلات السياسية التي تحقيق الأهداف الأميركية التركية في سورية مقابل السماح بعودة اللاجئين وإنهاء الأزمة.. ولهذا تربط أنقرة وواشنطن تسهيل العودة بالحلّ السياسي.
الرسالة السادسة، انّ سورية وحلفاءها، لا سيما روسيا، قرّروا بدء مسار عودة اللاجئين وتوفير كلّ ما يلزم لها بالتعاون مع كلّ الدول والمنظمات الدولية التي شاركت في المؤتمر، وعدم ربط هذه العودة بالحلّ السياسي، وبالتالي إيصال رسالة للاجئين والدول التي يتواجدون فيها بأنه ليس هناك من أسباب تمنع عودتهم في أيّ وقت..
انطلاقاً مما تقدّم فإنّ المؤتمر حقق الهدف الذي انعقد من أجله وهو تعبيد طريق عودة اللاجئين، وتوفير مستلزمات هذه العودة، وفضح نفاق الغرب ومتاجرته المادية والسياسية بقضيتهم الإنسانية…