يعقد غداً في رأس الناقورة الاجتماع الدوري الثلاثي بين ممثلين عن الجيش اللبناني وجيش العدو الإسرائيلي برعاية قائد اليونيفيل الجنرال باولو سيرا. ينتظر الأخير أن يسمع من ضباط العدو الموقف الإسرائيلي من قيام أصحاب المتنزهات السياحية الواقعة على الضفة الغربية لنهر الوزاني، بتنظيف مجرى النهر كما جرت العادة عند بداية موسم الصيف.
فقد نقل محمود حمدان، أحد أصحاب منتجع حصن الوزاني الواقع عند آخر نقطة على الحدود اللبنانية _ السورية _ الفلسطينية، وعداً أطلقه سيرا بإبلاغهم جواب العدو في السابع من الشهر الجاري كحد أقصى. جواب يحدد ما إذا كان سيسمح لأصحاب المتنزهات بتنظيف المجرى المحاذي لمتنزه كل منهم، أم أنه سيكرر منعه وتهديداته كما فعل الصيف الفائت. سيرا وأصحاب المتنزهات ليسوا وحدهم يترقبون الموقف المعادي الذي يتحكم بمصير أرض لبنانية محررة، بل الدولة اللبنانية أيضاً. عند تحرير الجنوب قبل 14 عاماً، خاضت المقاومة والجيش معركة خرائط وحقوق لتثبيت لبنانية نهر الوزاني. لكن ترسيم الخط الأزرق (وضع لمساته عليه تيري رود لارسن)، قسم النهر إلى قسمين يقطعه الخط الأزرق الوهمي في وسطه، جاعلاً الضفة الشرقية للنهر في أراضي الجولان المحتلة. لكن لبنان رفض الترسيم، معتبراً أن القسم الشرقي أراض لبنانية. الصراع على النهر لم يتوقف منذ ذلك الحين، لكنه استعر في الأعوام الأخيرة بعد قيام عدد من أبناء المنطقة بافتتاح متنزهات على الضفة الغربية حوّلت وادي الوزاني إلى قبلة سياحية تواجه الشريط الشائك والمواقع العسكرية المعادية المنتشرة فوق التلال. وبهدف التأثير على عمل المتنزهات وترهيب روادها، لجأ العدو إلى أساليب عدة. ميدانياً، شق طريقاً تمتد من أعلى التلال نزولاً نحو النهر على بعد أقل من 20 متراً من الضفة. ويتعمد جنوده ولا سيما خلال الموسم السياحي تسيير دوريات راجلة عند الضفة الشرقية، متخذين مواقع قتالية ومصوبين رشاشاتهم باتجاه المتنزهات ومسلطين الكاشفات الضوئية في الليل. أما دبلوماسياً، فقد وجه تهديداً رسمياً للبنان لمنع السباحة في النهر، محذراً من يتخطى الخط الأزرق الوهمي بإطلاق النار عليه. نهاية العام 2012، أثار العدو «الخطط اللبنانية لجر مياه الحاصباني (الذي يصب في بحيرة طبرية) من أحد روافده نهر الوزاني». شرارة التهديد حينها كانت افتتاح منتجع حصن الوزاني الواقع في آخر نقطة لبنانية عند الحدود. واتهم العدو أصحابه بـ«محاولة جر مياه الحاصباني وتحويله إلى غطاء لشن هجمات على إسرائيل»، علماً بأن المنتجع يقع في أسفل الوادي ومحاط بالمواقع المعادية من كل جانب. منذ ذلك الحين، تبيّن أن الضجة المعادية شكلت غطاء ليس لمنع اللبنانيين من الاستمتاع بأراضيهم المحررة فحسب، بل للقيام بأعمال جرف وتعديات في أراضي الجولان تؤدي على نحو تدريجي إلى تغيير في معالم الحدود الدولية وتخالف القرار 1701 الذي نص على منع تغيير معالم الأرض المحتلة.
بمواجهة المخطط المعادي، ماذا فعل لبنان؟ بالنظر إلى الخطوات الرسمية المتخذة، يبدو كأن الحكومة نسيت أول حدود الوطن في الوزاني. إسرائيل استغلت الغياب الرسمي الصيف الفائت، وتوّجت اعتداءاتها في الوزاني بمنع أصحاب المتنزهات من تنظيف مجرى النهر وهددت من يقترب منه بقصد السباحة. في مثل هذه الأيام من العام الفائت، وقفت قوتان تابعتان للجيش اللبناني وقوات اليونيفيل لتمنعا الجرافات من توسيع المجرى وتنظيفه من مخلفات عواصف الشتاء، «خشية تنفيذ العدو تهديده بإطلاق النار على الجرافات».
لم يتحدّ الطرف اللبناني التهديد الإسرائيلي. كل ما حصل، هو مبادرة قيادة اليونيفيل لترويج اقتراحات منها تولي بلدية الوزاني تنظيفه تحت إشراف اليونيفيل. جميع الاقتراحات لم ترض العدو. انقضى الصيف الماضي كما أرادت إسرائيل، فيما كان الجيش والداخل اللبناني منشغلين بالعمليات الإرهابية.
حمدان نقل عن سيرا وضع رزمة من الخيارات التسووية التي ترضي العدو وتسمح لأصحاب المتنزهات بتنظيف المجرى، منها استعداد اليونيفيل للقيام بالمهمة مستخدمة آلياتها. لكن ماذا لو تمسكت إسرائيل برفضها، هل يمنحها لبنان صيفاً آخر؟