في بلدٍ يعاني من بطالة وضعف بسوق العمل فيه، لا بدّ من البحث عميقاً عن سبب هذه المشكلة المزمنة التي تؤثر على الحياة بشكل كامل، فلا الوضع الاقتصادي يستقيم بظل وجودها، ولا الوضع الاجتماعي يستقر. من هنا فإنّ البحث عن السبب سيوصل حتمًا إلى سوء التوجيه التربوي لدى طلاب لبنان، الذين يتعلمون ويتخرجون من الجامعات ليكتشفوا "متأخرين" أنّ سوق العمل لا يحتاج اختصاصاتهم.
لدى الحديث عن الواقع التربوي في لبنان ومدى قدرة المناهج التعليمية الموجودة حاليا على توجيه طلاب المستقبل نصطدم بواقع مرير، يعبر عنه بطريقة دقيقة جدا وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب بعبارة واحدة: "كل ما قامت وتقوم به وزارة التربية في هذا المجال هو صفر". ويضيف في حديث لـ"النشرة": "لنسأل الطلاب الثانويين وطلاب الجامعات والمتخرجين هل استفادوا يوما من توجيه نحو اختصاص معين، او مهنة معينة، ولندع لهم الجواب"، مشيرا الى ان كل ما تقوم به وزارة التربية غير كاف على الاطلاق حتى الان.
ولكن بظل غياب الدولة تاريخيا عن اداء هذه المهمة، يحاول المركز الاسلامي للتعليم والتوجيه التعويض ولو بشكل بسيط عن هذا الغياب، عبر تنظيمه معرضا توجيهيا سنويا للتصدي لمشكلة توجيه الطلاب. ويقول مدير المركز علي زلزلي في حديث لـ"النشرة": "هدف الجمعية والمعرض هو نشر الوعي المهني للطالب قبل دخول الجامعة، ونحاول كذلك ان نكون صلة وصل بين الطالب والجامعات وبين الطالب وعالم الاختصاصات المهنية عبر إظهار قدرات الطالب وميوله".
ويضيف زلزلي: "ان غياب الدولة عن قضية التوجيه جعل هذه الاخيرة غير ضرورية لدى كثيرين وهذا ما يسبب لنا بعض الصعوبات بحيث يتعذر علينا الوصول لكل طلاب لبنان"، مشيرا الى ان المشكلة هي بالمفهوم التوجيهي، اذ ان وزارات التربية المتعاقبة لم تعط هذا الامر الاهتمام اللازم. ويقول: "تواصلنا مع الوزارات المعنية وقلنا لهم بأن يحاولوا الاستفادة من قدرة الجمعيات، ونحن في جمعيتنا قد اعددنا بالسنوات السابقة برنامجا توجيهيا ووضعناه بخدمة وزارة التربية، الا انه للاسف لم يحصل اي تقدم حتى اليوم". ويضيف: "المشكلة ان الوزارات تنجح بالعمل الفردي دون ان تنجح بالعمل الجماعي، فاعتماد التوجيه التربوي بحاجة الى تضافر جهود وزارات التربية والصناعة والعمل والاقتصاد، وهذا ما نأمل ان يتحقق تماما كما يحصل الان بملف الغذاء"، آملا من وزير التربية الحالي الياس بو صعب ان يحرز تقدما في هذا المجال نظرا لخبرته الاكاديمية العريقة.
من جهته يؤكد بو صعب ان "الوزارة بصدد التحضير لمشروع تربوي عام يشمل المنهج، التوجيه، المدراس وكل ما يتعلق بالتربية، ويتم التحضير لورش عمل واعداد الدراسات اللازمة قبل عرض المشروع في مؤتمر كبير، لمحاولة انقاذ الوضع التربوي في لبنان". ويضيف: "نحاول ان نُشرك كل القطاع التربوي بهذه العملية والعمل عبر شراكة حقيقية مع هذا القطاع وبذلك نكون قد اسسنا للمستقبل ولا يمكن لأي وزير يستلم وزارة التربية مستقبلا ان يقف بوجه القطاع التربوي مجتمعا".
يهدف التوجيه الى فتح آفاق جديدة امام الطلاب من أجل الاختيار الصحيح سواء في التخصص الجامعي او بسوق العمل، وهذا ما يسعى اليه المركز الاسلامي الذي ينظم معرضه الخميس المقبل بالاونيسكو، بحيث تكون الفرصة سانحة امام الاهل والطلاب للتعرف الى الجامعات واجراء تجارب عملية وعملانية تساعدهم بالتوجه السليم من اجل صناعة مستقبل افضل.
تقرير محمد علوش