عادت عرسال إلى الواجهة من جديد من خلال التفجير الذي إستهدف إجتماعاً لهيئة "علماء القلمون" في البلدة، من دون أن تتضح كامل معالمه بسبب تضارب المعلومات، التي بدأت من الحديث عن إجتماع لبحث ملف العسكريين المخطوفين، ولم تنته عند عقد قران، بعد أن تم الترويج لفرضية أن دور الهيئة إنساني إجتماعي بحت، يتضمن العمل على حل مشاكل وقضايا تتعلق بالنازحين السوريين في البلدة، والتي بغالبيتها ذات طابع اجتماعي انساني، مثل مسائل الزواج والطلاق وتقديم المساعدات للمحتاجين.
وفي حين توجهت الأنظار سريعاً إلى تنظيم "داعش" الإرهابي بالوقوف وراء هذه الجريمة، على خلفية النزاعات القائمة مع "جبهة النصرة"، نظراً إلى أن الهيئة تعد أقرب إلى الجبهة من التنظيم، تُصر مصادر لبنانية من داخل البلدة، عبر "النشرة"، على توجيه الإتهامات إلى "حزب الله" والنظام السوري، وتعتبر أنهما المستفيد الأول من التوتير في عرسال، وتشير إلى أن هدفهما تفجير الأوضاع فيها لإحكام السيطرة على البلدة، وتشير إلى قيام الحزب بالعديد من الخطوات على هذا الصعيد، منها تقديم الدعم المادي والعسكري إلى بعض المجموعات في عرسال.
في الوقت نفسه، كان الإرباك هو الحالة الطاغية على معظم فاعليات البلدة بعد الإنفجار، في إشارة إلى أنهم في موقف غير طبيعي، لا سيما أنهم الخاسر الأكبر من أي توتر جديد، خصوصاً أن أزمة المعركة التي حصلت قبل أكثر من عام لم تنته بعد، بسبب إستمرار عملية إختطاف العسكريين، وتتحدث احدى هذه الفاعليات عن رغبتها بالتخلص من كل الواقع القائم، وتقول: "نحن لم نعد نحتمل كل ما يحصل، والجميع في البلدة يحملنا المسؤولية".
على الرغم من ذلك، تشدد مصادر متابعة، عبر "النشرة"، على أن فرضية الصراع بين "النصرة" و"داعش" هي الأقوى، بسبب الخلاف القائم بين الجانبين على مختلف الأراضي السورية منذ أشهر طويلة، بالإضافة إلى عمليات التصفية التي تعرض لها عدد من الناشطين السوريين، في الفترة الأخيرة، على أيدي عناصر التنظيم، وتلفت إلى أن الحديث عن خلافات بين "داعش" والهيئة يعود إلى إتهامات لها بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية اللبنانية، وتؤكد أن الصراع بين الجانبين كان من المتوقع أن ينفجر في أي لحظة، وتضيف: "قد يكون لدى "داعش" رغبة في السيطرة الكاملة على عرسال في المرحلة اللاحقة، وهو يعمد من خلال هذه الأعمال اليوم إلى زرع الخوف في صفوف النازحين والأهالي".
بالنسبة إلى هذه المصادر، كانت السيطرة الأقوى في عرسال لـ"النصرة" في السابق، لكن "داعش" إستطاع جذب العديد من الخلايا المتعاونة معه، من خلال تقديم مبالغ مالية طائلة لها، وتلفت إلى أن التنظيم يعتبر أن البلدة هي من المناطق المهمة بالنسبة إليه، نظراً إلى رغبته المستمرة بالتمدد، وترجح أن تكون بالنسبة إليه ممراً مهماً نحو الأراضي اللبنانية، خصوصاً إذا ما تم تضييق الخناق عليه في سوريا، في ظل إستهدافه من قبل العديد من الجهات، وتعتبر أن سيطرته على عرسال ستكون كارثية، نظراً إلى الأعداد الضخمة من المدنيين السوريين واللبنانيين المتواجدين في داخلها، الذين سيصبحون رهائن لديه.
وتلفت المصادر نفسها إلى أن ما يعزز هذه الفرضية هو الهجوم الذي قام به التنظيم، قبل نحو 4 أيام، على جرد بلدة قارة السورية بهدف فتح ثغرة، حيث سقط له قتيلان و7 جرحى، وتوضح أن هيئة "علماء القلمون" لا ترغب بحصول عمليات عسكرية إنطلاقاً من مخيمات النازحين في عرسال، نظراً إلى التداعيات الخطيرة التي قد تترتب على ذلك، وتشير إلى أن دورها الإشراف على إدارة الأمور داخل هذه المخيمات، وتضيف: "يمكن القول ان مواقفها معتدلة، وكان لها دور مهم على صعيد المفاوضات في ملف العسكريين، الأمر الذي يغضب قيادة التنظيم الإرهابي".
في المحصلة، عادت الأوضاع الأمنية إلى الواجهة من جديد من بوابة بلدة عرسال، لتؤكد بأن الدولة اللبنانية غائبة كلياً عما يجري في داخلها، فهل حان موعد الحسم في ظل كل ما يحصل، خصوصاً مع توقعات أن تعمد "النصرة" إلى الرد سريعاً؟