منابر السياسة الدولية والإقليمة والمحلية، سيّما ساحات المعارك العسكرية المتنقلة بين دولة وأخرى ومنطقة وجارتها تنتقل إلى المتلقّي عبر الإعلام العالمي، أقلّ ما يُقال عن بعضه أنّه "إعلام بلا ضمير".
إنه نوع من صواريخ العصر الحديث والراجمات التي تضرب أوطاناً بلا حدود جغرافية لا رفّة جفن لها عمّا تتركه من دمار وتخريب وزلازل سياسية وإقتصادية وإنسانية؛ لا بل أكثر من ذلك، إنها تصبو إلى صنع دول على شاكلة مصنّعيها ومموليها ومفبركيها؛ إنها أسلحة دمار شامل أُطلقت عليها أسماء تقنية كسلسلة: "الإعلام السياسي،" وغيره... يواكبها التطور التكنولوجي في عالم الإتصالات لتوسيع دائرة إنتشارها؛ بدأ هذا التبلور الجديد لتأثير الإعلام السياسي منذ العام 1991 إبّان إندلاع حرب الخليج الثانية؛ ظهر أنّه يصنع الأحداث، يصنع المواقف؛ ويكتب تواريخ بدلاً مما كان يعرف بالماضي بـ"التاريخ"؛ مليارات الدولارات تُصرف يومياً لتمويل وتطور وسائل إعلامية هدفها الأوّل ترسيخ المصالح الإستراتيجية لبعض الدول أو الجماعات عبر إعتماد الترهيب والترغيب والتضليل للترويج للأهداف السياسية أو الحربية؛ وعند الكلام عن الوسيلة الإعلامية، تدخل الأقلام الحبرية في دائرة الجداول حتى الوصول للأقمار الإصطناعية، تُبثُّ محطات، تُقمع أخرى، تماماً كما حصل مؤخراً مع قناة "المنار" وقمر "عربسات"؛ حربٌ أكبر من كونها إعلامية؛ إنها حرب كونية، الإعلام لاعب خط الهجوم فيها ومكوّن أساسي فيها.
لنأتي إلى ما سُمّي بالربيع العربي، هو ربيع تكنولوجي إعلامي ضاعت بين شبكاته الكثير من الحقائق فكلّ إعلامِ رسم الواقع وفق مشهديته؛ معلومات وتغطيات تضاربت بين تردّد وآخر وشبكة وأخرى؛ ضاعت الكثير من الشعوب بضياع الكثير من الحقائق، وإفتقد الرأي العام العالمي لما يحتاجه أصلاً من توظيف الوقت للإعلام أي "الوعي" لما يدور في العالم.
في هذا السياق، يتخبّط الإعلام العربي ببعضه كما تختلف فصول المسرحية الواحدة بين بعض الإعلام العربي وقرينه الغربي، ضاعت الحقيقة-وغرقت معها حقوق الشعوب تلك الحقوق الإنسانية التي خيضت الحروب لأجلها، بقيت الدماء وإندحرت الحقوق.
اليوم، قضية "مضايا"، نعم حقيقة الجوع والقهر والعذاب ثابتة؛ تؤجّج الرأي العام العالمي بكثير من الصور والمشاهد ويثبت يوماً بعد يوم فبركة الكثير منها، ووسائل التواصل الإجتماعي خير دليل على فضحها-تتفاوت حقيقة ما يجري هناك بين مقالة وأخرى وبين ريبورتاج وآخر، بين قناة معارضة وأخرى موالية.
أيُّ بحث دقيق لما يحصل "بمضايا" يأتي بحقيقة جامعة؟
حصار عسكري نعم، أما الإمدادات الغذائية والصحية، يأتي موقف للأمم المتحدة ليقول أنها أوقفت التمديدات والمساعدات الإنسانية بسبب سطوة الجماعات المسلحة على محتوى الشاحنات المعبأة بالتمديدات الغذائية-خبرٌ مرّ مرور الكرام في بعض الوسائل الإعلامية؛ أين البحث المنهجي فيه والإضاءة الإعلامية العالميّة؟ وغير "مضايا"، الكثير من القضايا الإنسانية تثير النهج نفسه.
الحقيقة أن بعض الإعلام يستغل تشويه القضايا الإنسانية لمآرب سياسية! أين الضمير العالمي؟ بإسم الحرية تُقتل البشرية!
صور دراماتيكية تبكي شعوب بعضها لم يعد يسأل عن السبب-شعوب تبرمجت على المشاهدة الصامتة؛ تتلقى بأسلوب الدعاية والإعلان، القضية يُروّج لها ولا تُصنع بالحق، بل تُكتب بدماء هادرة. وأيضاً، حروبٌ تُشَنّ على الإرهاب وفق منطق "الغيب" وبالمقابل للجماعات الإرهابية وسائلها الإعلامية تبث عبرها سمومها وتفتك بعقول جنودها-من يحاربها؟
يحتاج عالمنا اليوم إلى "ثورة ضمير"؛ "ثورة وعي" لن تولد من حركة الفلاحين هذه المرّة، ولا من حركة المثقفين، ستولد من الوجه الآخر "للإعلام" إعلامٌ معاصر ينتقيه "وعي" الأفراد بعيداً عن سياسات الدول.
وما ثبات الشعب اللبناني على إلتزام السلم الأهلي بعد كلّ ما ألمَّ بنا من عنف في المواقف "الطائفية" الأخيرة، إلاّ بوادر "وعي" يتخطّى منابر وبيانات وبعض الإعلام "المفلس".