لم تكن الهزيمة التي تعرض لها "جيش سوريا الجديد"، المدعوم من قبل الولايات المتحدة، أمام تنظيم "داعش" الإرهابي هي الأولى من نوعها، بالنسبة إلى حلفاء واشنطن على الأرض السوريّة، فقد سبقه العديد من الفصائل التي تولت تدريبها لهذا المصير في وقت سابق، حيث تولت جبهة "النصرة" القضاء على عدد منها لعدة أسباب، أبرزها الرغبة في السيطرة على الأسلحة التي بحوزتها، في ظل المخاوف من أن تكون الجبهة هدفاً لهذه الفصائل في مرحلة لاحقة، بعد أن تحولت الحرب على الإرهاب إلى محكّ أساسي بالنسبة إلى أميركا، في حين يقف "جيش سوريا الديمقراطية" اليوم عاجزاً عن الدخول إلى معقل تنظيم "داعش" في مدينة منبج.
كان من المفترض أن يتولى "جيش سوريا الجديد" فتح معركة مدينة البوكمال في ريف دير الزور الشرقي، التي تقع على الحدود السورية العراقية، تحت عنوان "يوم الأرض"، بالتنسيق مع قوات "التحالف الدولي"، بالتزامن مع هجوم من العراق، تلعب فيه عشائر الأنبار دوراً أساسياً، على مواقع التنظيم في الجهة المقابلة للحدود، أي من حديثة باتجاه راوى ومعبر القائم، بهدف فصل قوات "داعش" في سوريا عن قواته في العراق، وسط معلومات عن حصول هذا الجيش على دعم من حلفاء إقليميين أبرزهم الأردن.
وفي حين يعتبر "جيش سوريا الجديد" من أبرز الفصائل، التي خضعت لبرنامج التسليح والتدريب الذي نفذته وزارة الدفاع الأميركية، كانت المفاجأة بفشله في تحقيق أي نتيجة تذكر في هذه المعركة، حيث نجح التنظيم الارهابي في تكبيده خسائر فادحة، في وقت وصف فيه المتابعون لسير الأحداث السورية ما حصل بـ"المغامرة الفاشلة"، من دون أن تتضح الأسباب الفعلية لهذا الواقع، بعد أن كانت القوات الأميركية ترعى بالتزامن دخول القوات العراقية إلى مدينة الفلوجة.
في هذا السياق، كانت التحليلات تشير إلى أن ما حصل يعود إلى عدم دراسة الواقع العشائري في البوكمال بشكل جيد، أو الإعتماد على معلومات إستخباراتية غير دقيقة، حيث كان من المتوقع أن تنضم العشائر السورية إلى عناصر الجيش المدرب أميركياً، الأمر الذي لم يحصل على الإطلاق، إلا أن ما كشفته صحيفة "واشنطن بوست" مؤخراً قلب المعادلات رأساً على عقب حيث اعتبرت أن الفشل يعود إلى تخلي الجيش الأميركي عن حلفائه، بعد أن ترك في ذروة المعركة من دون غطاء جوي، بعد تلقي قادة الطائرات الحربية أمراً بالتوجه إلى الفلوجة، الأمر الذي برره المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية كريس غارفر، بالحديث عن أن القيادة رأت أن من الأهم تدمير قافلة لمسلحي "داعش" طردوا مع آلياتهم من الفلوجة.
ما تقدّم كان من الممكن أن يمثل "فضيحة" لطريقة عمل الولايات المتحدة في الميدان العسكري، بالإضافة إلى اسلوب تعاملها مع حلفائها، في وقت كانت تشتكي، على مدى الأشهر السابقة، من عدم قدرتها على إيجاد قوات بريّة سوريّة تساندها في الحرب التي تخوضها ضد الإرهاب، لولا السيناريو الذي عمدت مصادر "جيش سوريا الجديد" إلى تعميمه في الساعات الأخيرة، حيث نفى تخلّي واشنطن عن قواته، موجهاً الإتهامات إلى الجانب العراقي، الذي لم يعمد إلى فتح الجبهة في مدينة القائم، بحسب ما كان الإتفاق المبرم بموجب الخطة الموضوعة، بالإضافة إلى عدم تجاوب الخلايا النائمة في مناطق "داعش"، بالرغم من الكلام الذي نقل عن المتحدث باسم "البنتاغون" حول أولويات المعركة.
بناء على ذلك، تكون الأسباب التي أدّت إلى فشل الهجوم، الذي علّقت عليه آمال كبيرة من جانب واشنطن، لا تزال مبهمة، حيث هناك تأكيد من قبل مسؤول أميركي بالتخلّي عن الحلفاء للتركيز على المواجهة في الفلوجة، في حين أن هذا الحليف يرفض الإعتراف بهذا الأمر، لا بل يوجه الإتهام إلى فريق ثالث كان من المفترض أن يكون شريكه في المعركة، لكن الأكيد هو أن التخطيط لم يكن بالمستوى الذي يجب أن تكون عليه معركة تقودها دولة عظمى، من المفترض بها أن تدرك كافة التفاصيل قبل اعطاء الضوء الأخضر، فهي المسؤولة عن الخلل الذي حصل، سواء كان في تأمين الغطاء الجوي أو في إنطلاق المعركة من الجانب العراقي، نظراً إلى أنها تقود هذه العمليّة العسكريّة، من دون إهمال واقع أن القوة المهاجمة كانت صغيرة بالنظر إلى عدد سكان المنطقة.
في المحصلة، الأيام المقبلة ستكشف المزيد من التفاصيل حول ما حصل على أرض الواقع، لا سيما أن هناك علامات إستفهام تطرح حول أسباب التأخر في حسم معارك أخرى، أبرزها تلك القائمة في منبج، لكن الأكيد أن تداعيات ما حصل في البوكمال ستكون كبيرة على مستوى تعاون فصائل جديدة مع واشنطن، على إعتبار أن التجربة لم تكن مشجعة على الإطلاق، لا عندما تركت "النصرة" تقضي عليهم ولا عندما تم التخلي عنهم في منتصف المعركة.