لم تعد اللعبة الاسرائيلية خفية، لا بل وصلت الى حدّ السخافة والسذاجة، من خلال التلويح يوماً بعد آخر باقتراب او تنامي فرص الحرب مع لبنان. من المفهوم والواضح ان اثبات الذات من قبل المسؤولين الاسرائيليين لدى شعبهم، هو امر مبرّر ومطلوب من قبلهم، خصوصا من بعد انتهاء حقبة بنيامين نتانياهو الذي اعتاد الاسرائيليون على توليه سدّة المسؤولية. ولكن من غير المفهوم سبب الرغبة في الكذب والتلويح بالحرب مع لبنان، فيما الاسرائيليون كما اللبنانيين كما كل شعوب العالم، تعرف بما لا يقبل الشك ان فكرة اندلاع حرب على المستوى الذي يتم الحديث عنه، هو من المستحيلات في الوقت الراهن، ليس لعدم الرغبة في ذلك، بل لعدم القدرة عليه. وحتى لو بقيت ادارة الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب، لما تغيّرت هذه المعادلة، وحتى لو بقي نتانياهو، لما استطاع ان يغيّر شيئاً في هذا الاطار، فالمسار الذي تتجه اليه المنطقة حالياً بعيد كل البعد عن الحروب ولغتها العسكرية، ولا قدرة لاحد على الدخول في مثل هذه التجارب الخطيرة التي قد تطيح بكل الجهود المبذولة على مدى سنوات. وهل يعتقد احد ان من تولى المسؤولية حديثاً في اسرائيل قادر بالفعل على المخاطرة بمستقبله السياسي بادخال شعبه في جحيم حرب يجمع الاسرائيليون من خبراء عسكريين ومحللين، على انها ستكون الاقسى والاكثر صعوبة في تاريخ حروبهم.
وعلى الجهّة المقابلة، لم تلقَ هذه التهديدات الصدى المطلوب لدى اللبنانيين، فهم منهمكون في متابعة ما ستؤول اليه الاوضاع السياسية والاقتصادية والمالية والمعيشية، ويبدو ان التوتر العسكري على الحدود او امكان اندلاع حرب، بات في اسفل اولوياتهم واهتماماتهم. ولعل ابرز دليل على هذا الامر هو عدم تفاعلهم مع هذه التهديدات، التي كانت تلقى تخوّفاً لدى البعض الذي ينقل هذا الخوف لاكبر عدد ممكن من معارفه. اما اليوم، فلم يكلّف احد نفسه عناء التطرق الى الموضوع، فيما لاتزال نسبة الوافدين الى لبنان من مغتربيه آخذة بالنمو، كي يساهموا في ارجاء وتخفيف هول المأساة الاقتصاديّة والماليّة على اقاربهم ومعارفهم اللبنانيين.
ولا حاجة من جهة ثانية، لتأكيد عدم قدرة اللبنانيين على خوض أيّ حرب في المدى المنظور، فهم يخوضون حرباً من نوع آخر اكثر شراسة وفتكاً من تلك العسكرية، وبالتالي فهم غير مؤهلين لخوض اكثر من ذلك الا في حال دُفعوا اليها، عندها سيجبرون على المواجهة، وقد تتعزز وقتذاك وحدتهم وتضامنهم بفعل "المصيبة الجامعة".
وفي ما خص الاستعداد الدولي لدعم مثل هذه الخطوة، فمن المؤكد انه غير متوفر، فلا الاميركيين في وارد "افشال" كل المساعي الحوارية، ولا الروس راغبون في تراجع التقدم الذي حصل في سوريا، ولا الاوروبيون يمكنهم تحمّل تداعيات "الفوضى" التي سيشهدها الشرق الاوسط ككل في حال اندلاع حرب على هذا المستوى، ولو حتى لفترة محدودة، ما يعني انّ الغطاء الدولي ليس موجوداً. وما ينطبق على لبنان، ينطبق حتماً على ايران، والا لكانت اسرائيل قد جيّشت وعملت على التحضير لضربة عسكرية ضد الجمهورية الاسلامية من شأنها ان تعطي دفعاً كبيراً للمسؤولين الجدد في تل ابيب، وتكون رسالتهم انهم خير خلف لنتانياهو ولا حاجة له بعد اليوم في ظلّ اشخاص على استعداد لتوجيه ضربة لها "لحماية" الاسرائيليين.
باتت اللعبة الاسرائيلية بالتهديد والوعيد بالحرب على لبنان سَمِجَة، ولم يعد هناك من حاجة لنفيها بين الحين والآخر، ويجدر التفرّغ اللبناني الى امور اكثر اهمّية وفاعليّة ومنها بشكل اولي ما ستؤول اليه الامور في الشأن الحكومي، وما اذا كانت كلمة السرّ الدولية قد وصلت الى لبنان ام لا!.