لبنان يَعرِفُأنَّه يَعرِفُ، وَمَعرِفَتُهُ مُلغِيَةٌ لِلعَبَثِ. وَفي ما هو عَلَيهِ، يَكونُ موَجِّهاً الى غايةٍ.
بَعضُ الكياناتِ لا تَعرِفُ، وأخرى لا تُريدُ أن تَعرِفَ، لأنَّوجوبُالمَعرِفَةِ التَحَرُّرَ.الأولى مَرصودَةٌلِلجمودِ، والثانيةُ لِرَفضِ الإنعِتاقِ. وَبَينَهُما، تُقيمُ الأولى والثانيةُ في الإنفِصالِ عَن سُنَّةِ الحياةِ. وَهوَ فاصِلٌ أسَسِيَّتُهُ نُكرانُ الذاتِ، لأنَّ في ما دونَ الإنسانِ كِفايَتهُ.
أهيَ عَلاماتُ إنتقاصٍ، تِلكَ الكياناتِ، فيما لبنان دليلُ كِفايةٍ لَهُ وللآخرينَ؟.
تِلك الكياناتُ ما هَمُّها سوى العَدَميَّةُ التي إليها تَصيرُ المادَّةُ، والإنسانُ فيها مادَّةٌ لا غَير. يا لِلمأساةِ! إذ في ذَلِكَ، الغاءٌ حتمي لأرتِقاءِ الإنسانِ، الذي مَنذ كُوِّنَ هو كائِنُ الكائِناتِ.
رِفعَةُ لبنانَأنَّ إنبثاقَهُ مِن رَحابَةِالإنسانِ... كي يَبقى الإنسانُ عَقلاُ مُعقلِناً وَكَلِمَةُ مُكَلمِنَةً. بِمعنى آخر، كي يَبقى على صورَةِ خالِقِهِ وَمِثالِهِ. لأنَّه متى أردَيتَ الإنسانَ أردَيتَ الله، ومتى أرديَتَ الله أردَيتَ الإنسانَ، حُكماً.
هذه لَيست قِمَّةُ الوعي وَمسلًكُها الإدراكُ، بَثَّها لبنان في عَقلِ العالَمِ، وَقَد جَعَلَ هذا العَقلَ مُتَّحِداً وَقلبهُ، مُذ نَشَرَ الأبجَديَّة إختلاقَ وجدانٍ، وَوَسيلَةَ تَخاطُبٍ، وَمُفاضَلَة شَجاعَةٍ. وَأكثَر، هذا قَصدُ الأمانَةِ لِلخَيرِ الذي في أصالَةِ الإنسانِ، لِلحِفاظِ على إنسانيَّةِ الإنسانِفي غايَتِها القُصوى. وأقول أنَّه قَصدٌ إلزاميٌّ، إذ لَولاهُ تُلغى الإرادةُ، وَيُمحى الخَيارُ، أي تَنتَفي المَعرِفَةُ، تِلكَ التي تُعلي الحُرِيَّةَ. وَمِن دونِ الحُريَّةِ،لا يُلغى رابِطُ النِسبيِّ والمُطلَقِ وَيتساوى العَدَمُ بالوجودِ فَحَسب، بَل يَنفَصِلُ المِعنى. عِندها يَتَفَوَّقُ العَبَثُ إذ يَكونُ قَد نَجَحَ في بَترِ الفَحوى لِلمِعنى، ايّ مُلتقى التلاقي بَينَ الإنسانِ وَما فَوقَهُ، وَما دونَهُ.
بَذَلِكَ يَكونُ تأصُّلُ الباطِلِ في مَسيرَةِ العالَمِ. وَقَد حَقَّقَ نَجاحاتٍ في العَديدِ مِن الكياناتِ، تِلكَ التي لا تَعرِفُ، وَتِلكَ التي لا تُريدُ ان تَعرِفَ.
قُلنا، لبنانُ يَعرِفُ؟.
الآنَ بِتنا نَعرِفُ لِمَ تَحالَفَت تِلك الكياناتُ، بِعُقَدِها وَمفارَقاتِها وَتَناقُضاتِها، ضِدَّهُ.
هو وِحدَتُها الأعَّم، وِحامِلُها الى رِباط الإنسانيَّةِ، بالعَقلانيَّةِ التي أطلَقَها، مُنذُ فَجرِ تَكوينِهِ، وهي تُريدُأن تَبقى، عَن مَعرِفَةٍ او عَن غَيرِ مَعرِفَةٍ، في تَشَرذُمِ اللامَنطِقِ، إذ فيهِ اعتِقادُ تَفَوِّقِها، وفي اللاوِحدَةِ الإنسانيَّةِ جَدوى بَقائِها. وهذا مُنتهى اليأس.
ما تَفرِضُهُ تِلكَ الكياناتُ على العالَمِ مِن تَعريَةٍ لإنسانيَّةِ الإنسانِ تَسوقُهُ الى حَتمِيَّةِالغاءِبقائِهِ تاريخاً مًفتوحاً وَمُستَقبَلاً مَفتوحاً، إندحارٌ لا لِمثاليَّةِ العَقلانِيَّةِ التي أرساها لبنان بَل إندحارٌللعالَمِ، وَتَدميرٌلِتِلكَ السِلسِلَة النازِلةِ مِن سَماوات الخالِقِ الى أرضِ الخَليقَةِ، الموَّحَدَةِ بَينَ المِعنى الدائِمِ والغايةِ المُبتَغاةِ في مَسيرَةِ الحياةِ الخِلاّقَةِ دائماً.
خَتمُ المَوت
أما مِن خَشيَةٍ، على لبنان، المُثخَنِ بِجِراحِ تِلكَ الكياناتِ، في إًصرارِهِ على ان يَبقى الرابِطَ بَينَ أرضِ الإنسانِ وما فَوقَهُ وَفَوقَها؟.
بَلاؤهُ، طُغمَةٌ حاكِمَةٌسَطَت على شَعبِهِ المُحاوِرَ روحيَّةَ العُصورِ، فتأبَّدَت على حِسابِهِ.وقد إمتَهَنَت ايديولوجيَّاتِ الغَباءِ تِجاهَ المَعرِفَةِ الحَقَّةِ وأحَقيَّةِمَنطِقشها الغامِرِ، والتَسلُّطِرُمَّةً واحِدَةً على نورانيَّةِ العقلانِيَّةِ، والخُنوعِ لأيِّ غَريبٍ مُستَعبِد:عَبدٌ يَستَعبِدُ عبيداً.
عَظَمَةُ لبنانَ الآنَ، ان يَعرِفَ أكثَرَ كَيفَ يَتَّجِهَ الى تَعميقِ الوضوحِ في مَعاييرَ المِثاليَّةِ العَقلانِيَّةِ، بإطلاقِ ثَورَةِ المُطلَقِ الذي فيه، ضِدَّ مَقاصِدَ تيكَ الكياناتِوَمكرَ تِلكَ الطُغمَةِ، مَعاً، إذ انَّ كِليهِما في تَلاقٍ بِشعوذاتِ الشُرورِ ضِدَّهُ.
الصورة المرافقة للمقال هي رسم "قلعة صيدا" بريشة منير علوي