منذ اليوم الأول لعملية "طوفان الأقصى"، طُرحت في الأوساط اللبنانية أسئلة حول التداعيات المحتملة على الملف المحلي، خصوصاً بعد أن دخلت الجبهة الجنوبيّة على خط الحرب، مع ما يعنيه ذلك من ربط الواقع على هذه الجبهة بذلك القائم على مستوى قطاع غزة، الأمر الذي تُرجم عملياً من خلال الإلتزام بالهدنة الإنسانية، التي تم التوصل إليها بين إسرائيل و"حركة حماس".
وبعيداً عن مسار الحرب الاسرائيلية على غزّة، الذي لا يزال غير واضح بسبب التعقيدات المرتبطة بالواقع الإسرائيلي الداخلي أولاً، يبدو أن هذه الحرب باتت جزءاً من التعقيدات التي تحول دون الوصول إلى تسوية محلية، تتخطى ما يُحكى عن أن الملف الرئاسي لن يبت قبل وضوح الصورة التي ستكون عليها المنطقة في المرحلة المقبلة، ما يبرر التركيز الدولي الحالي على الشغور المحتمل في قيادة الجيش.
في هذا المجال، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ زيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت، أكّدت أن التسوية المنتظرة باتت تتخطى الإعتبارات الداخلية، التي كانت تقوم على أساس التوازنات بين الأفرقاء المحليين، نظراً إلى أن التطورات العسكرية في الجنوب، أدخلت معطى جديداً يتعلق بالأوضاع على هذه الجبهة، التي تمثل أولوية لدى الجانب الأميركي.
إنطلاقاً من ذلك، لم تستغرب هذه المصادر أن يصبح الحديث عن تنفيذ القرار 1701 جزءاً أساسياً من الاتصالات الدبلوماسية التي تحصل مع المسؤولين اللبنانيين، على إعتبار أن إنعكاسات أي تسوية في الملف الفلسطيني من المفترض أن يكون لها تداعياتها على المستوى اللبناني، لا سيما أن ما يُطرح، في بعض الأوساط الخارجية، هو أن أي حل لا يمكن أن يكون دون مستوى التداعيات التي تركتها "طوفان الأقصى".
ما تقدم، يقود إلى أن لبنان، بالرغم من عدم حضوره المباشر في المفاوضات حول قطاع غزة، هو بند رئيسي في المشاورات، على إعتبار أنه جبهة في جولة القتال الحالية، بغض النظر عن حجمها أو دورها، خصوصاً أن الأمور كانت مرشحة إلى التصعيد المفتوح في أكثر من مناسبة، وبالتالي عملية التفاوض لن تستثني جبهة الجنوب، مع ما يعنيه ذلك من تداعيات على المستوى السياسي، سيكون "حزب الله" فريقاً فيها.
في الوقت الراهن، تتحدث مصادر نيابية، عبر "النشرة"، عن أن الساحة المحلية تشهد تحضيراً للأجواء لما يمكن أن يُرسم في المرحلة المقبلة، لا سيما بعد تزايد الحديث عن ضرورة الوصول إلى إتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، على إعتبار أن الملف اللبناني لن يحتمل المزيد من التأخير، وتشير إلى أن الوقائع الحالية توحي بإمكانية حصول تحولات كبرى في المشهدين الإسرائيلي والفلسطيني، تبدأ من محاسبة القيادتين السياسية والعسكرية في تل أبيب ولا تنتهي بدور "حماس" المستقبلي.
وفي حين تلفت المصادر نفسها إلى أن الجهات الأساسية في رسم الصورة في فلسطين المحتلة ستكون هي نفسها حاضرة في الملف اللبناني، أي الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، من دون تجاهل الدورين المصري والقطري على صعيد الوساطة وتقريب وجهات النظر، ترى أن ما تقدم يعني المزيد من التعقيد محلياً، حيث التوازنات الدقيقة التي كانت قد فرضتها الانتخابات النيابية الماضية، في شهر أيار من العام 2022.
في المحصلة، تشير هذه المصادر إلى أنه في الوقت الذي لا يزال يتمسك كل فريق محلي بمرشحه الرئاسي، هناك من بدأ يتحدث عن أن "طوفان الأقصى" قد تفرض مواصفات جديدة يجب أن تتوفر في ساكن القصر الجمهوري المستقبلي، بين من يرى أنه سيكون إنعكاساً لتوازنات الحرب ومن يعتبر أن الأساس في هويته سيكون الدور المنتظر للبنان، لكن الأكيد أن الحسم لن يكون في وقت قريب، لا سيما أن الحرب في غزة لم تنته بعد.