بدأ الجيش اللبناني عمليا بتسخين معركة جرود رأس بعلبك والقاع حيث ينتشر ارهابيو "داعش" بعدما تبين له بوضوح عدم استعداد التنظيم المتطرف للتفاوض "على البارد". ويُدرك ما تبقى من مقاتلين متطرفين في الجرود اللبنانية تماما انّهم باتوا محاصرين من الجهات الأربع وان الهزيمة السريعة هي مصيرهم الحتمي، الا انّهم حتى الساعة لم يطلقوا اي اشارات لفتح قنوات تواصل تؤدي لحل سلمي لملف خروجهم من الأراضي اللبنانية، لاقتناعهم على ما يبدو انّهم يمتكلون ورقة "جوكر" قد تجعل كل الاطراف تعدّ للمئة قبل الاقدام على اي خطوة تهدد مصير العسكريين المختطفين.
الى ذلك، تبدو استعدادات الجيش اللبناني من الجهة اللبنانيّة في جهوزيّة كاملة وتامّة، يقابلها على الجهة السوريّة أيضَا استنفار عالي الوتيرة لحزب الله والجيش السوري، الّذي على ما يبدو بدآ العدّ العكسي لإعلان ساعة الصفر لبنانيًّا تمهيدا لتطهير ما تبقى من فلول ارهابيي داعش، لا سيّما وأنّهم باتوا يرجحون فرضية ان يدفع احتدام المواجهات وبدء الانهيارات في صفوف التنظيم الارهابي لتكرار سيناريو ما حصل مع "جبهة النصرة" في جرود عرسال. الا ان مصدرا أمنيا يشدد على عدم امكانية الجزم بكيفية تصرف "داعش" في ظلّ التجارب الماضية معه، وبالتحديد بملف العسكريين المختطفين أظهرت انّه ينتهج سياسة مختلفة تماما عن "النصرة" التي ظهرت ومنذ اتمام عملية الاختطاف مستعدة للأخذ والرد، حين سمحت للاهالي بزيارة ابنائهم وكانت تتلقى الاموال لتقديم تنازلات في أكثر من مجال، بخلاف "داعش" الذي ومنذ خطفه العسكريين الـ9 لم يُظهر اي تجاوب للكشف عن مصيرهم المجهول تماما حتى الساعة. وهنا يرجّح المصدر ان يعلن "داعش" عن نيته التفاوض بعد بدء المعارك بعد متابعته كيف ضمن الطرف اللبناني خروجا آمنا لعناصر "النصرة"، لكنّه شدد على ان "اي تفاوض سيحصل وفق شروط الجيش اللبناني على ان يكون الكشف عن مصير العسكريين المختطفين أولوية".
ويشير المصدر الى انّه وبرغم من دقة الموقف وحراجته، الا ان قرار انهاء وجود التنظيمات المتطرفة في الجرود اتخذ، وبالتالي فان توقيت الاعلان عن نية التفاوض بيد "داعش"، فيما توقيت الاعلان عن انطلاق المعركة بيد الجيش، والارجح ان الاخير هو الذي سيطلق الصفارة أولا خلال ساعات بعد مؤشّرات ظهرت من خلال العمليات العسكرية التي قام بها.
ولعل الملف الآخر الذي يجعل الجيش اللبناني كمّن يسير في حقل ألغام، هو الخلاف السياسي الحاصل حول وجوب تنسيق لبنان مع النظام السوري، ما يصعّب مهمة القيادة العسكرية التي قد يدفعها الأمر الواقع في اتجاه التنسيق وان بغياب الاعلان السياسي الرسمي الواضح في هذا المجال. وهنا تتحدث مصادر متابعة لما يجري عن "تنسيق غير مباشر" بين الجيش اللبناني من جهة والجيش السوري وحزب الله من جهة أخرى، نافية وجود اي تواصل مباشر من خلال اجتماعات يعقدها قادة عسكريون أو وجود غرفة عمليات واحدة. وتعتبر المصادر أنّه "عندما يُحكم حزب الله والجيش السوري امساك الحدود من الجهة السورية، كما عندما يتواجد عناصر الحزب عند خطوط التماس بين المنطقة التي كانت خاضعة لسيطرة جبهة النصرة وتلك التي لا تزال خاضعة لسيطرة داعش، ما يؤدي لعزل عناصر التنظيم بالكامل، عندها لا شك يمكن الحديث عن تنسيق غير مباشر بين الأطراف الـ3، باعتبار ان جهودها تصب في خدمة هدف واحد هو القضاء على داعش".
بالمحصّلة، هي تحديات بالجملة يواجهها الجيش اللبناني في الجرود، انطلاقا من التحدي العسكري لانهاء وجود "داعش" مرورا بتحدي كشف مصير العسكريين المختطفين وتأمين سلامتهم في اي عملية مرتقبة، وصولا لتحدي القفز فوق الغام الخلافات السياسية الداخلية والتي يشكل التنسيق مع سوريا وحزب الله ابرز اوجهها.